أوساخ في كل مكان، مياه مستعملة تحولت إلى مستنقعات تعيق مرور العربات والمترجلين، وجوه تفضح معاناتهم ويأسهم وضجرهم من حالة التهميش الذي تعيشه منطقتهم منذ عقود طويلة والتي تواصلت حتى بعد ثورة الحرية والكرامة.
هذه مميزات الحياة اليومية في منطقة «باطرو» من معتمدية بني خلاد (ولاية نابل) التي زرناها مؤخرا ووقفنا فيها على واقعها المرير. فبمجرد ان تحل بهذا الحيّ حتى حتى يصعب عليك استعمال السيارة للتنقل بين أرجائه.. لا خيار أمامك غير الترجل... في الوحل. وقد بادرنا السيد معز خربوش بالقول ان هذا الحي على شساعته وازدحامه بالسكان، لا توجد به قنوات تطهير ممّا يجعل منه بركة كبيرة من الأوحال والمياه الملوثة، وتزداد الحالة سوءا خاصّة في فصل الشتاء حيث يصبح المواطنون عاجزون عن النتقل بسبب الاوحال المتراكمة. وقد تدخل السيد أحمد النفاتي قائلا: «وما زاد الطين بلّة في هذا الحي هو انعدام التنوير العمومي اذ يضطرّ اغلب السكان الى قضاء مستلزماتهم مبكرا حتى يجتنبوا الخروج ليلا خوفا من الظلمة وما يترتب عنها». امّا السيد نور الدين الغيضاوي فقد عبر عن استيائه الشديد من تحول واجهة منزله الى مصب للفضلات وما يترتب عن ذلك من روائح كريهة ومنظر مقرف وهو الذي فعل المستحيل من اجل بناء منزل جميل. وقد طالب السلط البلدية بالتدخل فورا لرفع هذه الفضلات. أمّا الشاب وائل الجلاصي فقد أفادنا بان التهميش والحرمان لم يشملا البنية التحتية فقط بل طالا أيضا شباب الحي وشيبه على حد سواء وذلك بسبب تفاقم البطالة في صفوفهم. ويذكر هذا الشاب انه يتيم الأب وهو كبير اخوته الثمانية، ورغم حصوله على شهادة علمية إلا أنه يعاني البطالة منذ سنوات عدة مثله مثل أخيه الأستاذ في مادة الانقليزية وأخواته البنات صاحبات الشهائد العليا. وقد ختم وائل الجلاصي كلامه قائلا: «أبلغ من العمر 35 سنة وعاطل عن العمل ولا يحق لي أن أحلم ببناء أو تكوين اسرة» قالها بنبرة حزينة مضيفا أن أغلب شباب حيّ «باطرو» أصبح محبطا ويائسا. من جهتها قالت الآنسة وداد الهمامي عن ذلك قائلة: «أنا متحصلة عن شهادة عليا مثلي مثل العديد من بنات الحي منذ سنوات طويلة لكن طالت بطالتنا وساءت حالنا ويئسنا من الوعود الزائفة ولا نريد حتى التفكير في المستقبل». اختتمت وداد حديثها وذهبت في حال سبيلها وتركت لنا سؤالا: «إن كان هذا حال حي باطرو الموجود في قلب الوطن القبلي، فكيف حال غيره من الأحياء في المناطق النائية؟»