روائح كريهة، مياه راكدة، شوارع غارقة في الأوحال،»غرم» هنا وهناك، أطفال وكهول وشيب وشباب ثيابهم ملطخة بالطين ومبللة بمياه مستعملة اختلطت بمياه الامطار... تلك هي الصورة السائدة في شوارع حي الهناء التابع إداريا إلى معتمدية المرسى. صورة لا تختلف كثيرا بين هذا الشارع أو ذاك... صورة وأوضاع مزرية ألفها أكثر من 25 الف نسمة من سكان هذه المنطقة... حيث ظل حي الهناء الذي بعث إلى الوجود في ثمانينات القرن الماضي على حاله ولم تتغير ملامحه...فسكان الحي، ألفوا هذه الأوضاع الصعبة، وتعودوا ايضا على دفع عشرات الدنانير مقابل خدمات لم ينتفعوا بها... عشرات الدنانير يتم تضمينها في فواتير استهلاك الماء بعنوان «الأداء على معاليم التطهير»... عنوان حضر في الفاتورة وغاب على ارض الواقع... الامر الذي جعل السكان ستغربون اطلاق بلدية المرسى على الحي منذ ما لا يتعدى العام اسم "حي الهناء". "حي الهناء... لا يوجد فيه أي مبعث للامل... المشاكل بالجملة والحلول معدومة وابواب المسؤولين موصدة في وجوهنا»... هكذا وصفت منية الهذلي الحي وعلاقة متساكنيه بالمسؤولين في المنطقة كما اضافت: «لقد همشتنا البلدية رغم انها منحتنا رخص البناء واوصدت في وجوهنا الابواب عندما طالبنا بربطنا بشبكة التطهير... وطالبنا مرارا وتكرارا وقدمنا مئات المطالب ولكن الصمت كان الاجابة الابرز ليكون مآل مطالبنا رفوف الارشيف او سلة المهملات في مكاتب المسؤولين في البلدية والمعتمدية والولاية بل تعدت مطالبنا هذه المكاتب لتدق ابواب مكاتب القصر... قصر قرطاج". "لا نستمتع بأحذيتنا الجديدة" البحر الازرق وتحديدا حي الهناء التابع لهذه المنطقة يقع على مشارف المناطق السياحية بالمرسى وقمرت وتمر بجانبه سيارات وحافلات وقوافل السياحة والمراسم السياسية والدبلوماسية وعند اتجاهك الى قمرت تلحظ فوارق شاسعة بين هذا الواقع على يسارك وحي الربيع والخليل وما تبعها من اسماء لاحياء «راقية» تمتد على الضفة اليمنى للطريق عند التحول الى قمرت عن طريق محول «الرولي» على الطريق الرابطة بين تونسوالمرسى. «نشعر اننا من قارة اخرى عندما ينزل احدنا ليحتسي قهوته في احدى مقاهي حي الربيع او الخليل او بوسلسلة... اذ اننا لا ننعم بلباس احذية جديدة او احذية من نوعية جيدة ولا نسعد كثيرا بملابسنا الجديدة او النظيفة... فبمجرد ان تطأ قدم الواحد منا الشارع تلطخ احذيتنا وملابسنا بالوحل ولا تحسبن ان الحال تختلف في الصيف أوالشتاء... فالحال هي ذاتها على امتداد العام». في هذه الكلمات اختصر محمد الجلاصي معاناة ابناء الحي والمشاكل التي يعانونها بسبب النقائص العديدة في حيهم حيث يؤكد الشاب خالد الحريزي بالقول: «نشعر اننا لسنا كالآخرين... وكاننا من المغضوب عليهم او لسنا كبقية اترابنا من سكان واهل الاحياء المجاورة وبقية خلق الله في العاصمة، ففي الليل تضئ انوار الشوارع كل الاحياء بينما يغرق حينا في ظلام دامس، وسواء في الليل او النهار ومهما حذرنا الاوحال وحاولنا تجنبها فاننا نقع فيها والسبب غياب الربط بقنوات التطهير التي توقف امتدادها بعد 100 متر على مشارف حينا... وتوقف المعبد عند المدخل الجنوبي لحينا والى الشمال والشرق والغرب من حينا تمر الطرقات والمسالك المعبدة لكن حي الهناء ظل مربع التهميش بينها... ورغم هذه المعاناة يظل ابناء الحي يتكبدون المصاعب ليظفروا بموطن شغل... فبطالة اصحاب الشهائد العليا وخريجي التكوين المهني هنا حطت رحالها وهو ما دفع الى الترفيع في عدد مطالب المنح والشيخوخة والمعوزين وبات الحي يعج بالحالات الاجتماعية القاسية واصبحت عائلات كثيرة لا تجد ما يسد رمق اطفالها وشيوخها... فالبطالة ارهقت الشباب والكهول وسكان الحي عامة"... تخوف من السباق الى الكراسي وعن السياسة وانتظاراتهم من الثورة، ابدى الذين تحدثنا اليهم تخوفا من المستقبل اذ اعتبروا ان الاحزاب السياسية ورغم كثرتها لم يتحدث احدها عن علامات فارقة في برنامج تقطع فيه مع سياسة الحزب الواحد التي حكمت تونس على امتداد نصف قرن ونيف وابدوا تخوفهم من ان لا تتعدى افكار وبرامج الاحزاب في ما يتعلق بالتنمية والحريات عتبة الوعود التي تتبدد عند المسك بدولاب السلطة لتظهر القناعة الراسخة التي ترتكز على مقولة «انا والطوفان من بعدي». فيما ذهب شق آخر من الذين التقيناهم الى اعتبار السياسة شأن لا يعنيهم في الوقت الذي يرون فيه اطفالهم يتضورون جوعا والدولة غير قادرة على توفير مواطن شغل تستوعب المستويات العالية للبطالة. وتساءل بعض الذين تحدثنا اليهم من الشباب عن اسباب قيام الثورة حيث قال احدهم «ألم تقم الثورة بسبب البطالة؟ الم يكن العاطلون من اججوا نيرانها التي اتت على عرش الطاغية وكان شعارها الكرامة؟ اليس كرامة الانسان في عمل يقيه الخصاصة ومد اليد للتسول او للحرام؟ لماذا جانبت الاحزاب السياسية والحكومة المؤقتة هذه المطالب الملحة وهذه الحقائق المرة لتدعم الثورة المطلبية لتعتني بمن طالب بالزيادة وتعمق تهميش المطالبين بالعمل حيث بقي العاطل يعاني نفس المشكل اما العامل فاصبح مرسما... حبيب وذان
حي 5 ديسمبر شباب ركب قوارب الموت.. و40 فردا يتقاسمون مطبخا واحدا الحال في حي 5 ديسمبر او كما يطلق عليه اهله وزواره حي «5 شنايدر» بالكرم لا يختلف كثيرا عن بقية الاحياء التي زرناها فالمطبات والمياه الآسنة والارضية الترابية هي السمة الابرز للسواد الاعظم من شوارعه حيث يقول سليم: «نعاني الويلات عند الدخول والخروج من والى منازلنا ونضطر الى ترك سياراتنا في اماكن غير آمنة بعيدة عن منازلنا خصوصا في الشتاء عندما تختلط مياه الامطار بالمياه المستعملة التي تسيل في الشارع رغم ان الحي يتوفر على شبكة للتطهير الا ان الربط بها لم يشمل كل الشوارع». وبين احمد الماجري ان الحي يعاني من كثرة اللآفات الاجتماعية اذ بات الحي والكلام له «معروفا بالبراكاجات والجرائم والرواج الكبير للممنوعات ويعاني شبابه مشاكل عديدة نتيجة البطالة مما حدا بعدد هام منهم الى ركوب قوارب الموت وترويج واستهلاك مواد مخدرة ممنوعة بهدف نسيان الواقع المر الذي يعيشونه». واضاف: «رغم قربنا من قصر قرطاج فان حينا ظل يعاني في عهد «المخلوع» من التهميش مما رفع في عدد العائلات الفقيرة التي يتقاسم البعض منها بيتا واحدا على غرار عائلة عدد افرادها يفوق الاربعين فردا وعلى غرار منزلنا الذي يضم 5 عائلات تعيش كل منها في غرفتين في احسن الاحوال ونتقاسم جميعا بيت الاستقبال والمطبخ".
بيت متصدع... أطفال مهددون!!! في حي الهناء وفي شارع غمرته الاوحال والمياه الآسنة استقر بيتها الصغير الذي يحتوي على غرفة نوم واحدة وبيت استقبال استقر خلف بابها موقد الطبخ (قاز)... يسرى البرهومي التي تعاني مع اطفالها ضروب الخصاصة في وقت يعاني فيه زوجها مرضا مزمنا وبطالة مزمنة على حد تعبيرها يظل طفلاها الذين لا يتعدى سن اكبرهما الست سنوات يعانيان الحرمان ولا يعيشان كبقية الاطفال... بعيون دامعة تقول يسرى: «اتألم عندما يداعبني احد اطفالي او يداعب والده ليحصل على مائة مليم ويشترى قطعة شكلاطة... لكنه لا يجدها... وتبقى لقمة عيشنا في جانب كبير منها مرهونة بما يجود به علينا كرماء اهل الحي... فنصف كلغ من المقرونة اقسطه على ثلاث»... واضافت «اناشد السلط ان تعمل على ايجاد موطن شغل لزوجي يتناسب مع وضعه الصحي او ترصد لي منحة المعوزين او مساعدة اجتماعية قارة تمكنني من اعالة اطفالي وتقيهم الحرمان والخصاصة». وعن مواردها لبناء المنزل قالت محدثنا «تعرضت لحادث مرور وحصلت على تعويض مالي استثمرته في شراء قطعة ارض اقمت عليها هذا المسكن المتواضع ولم اجد موارد لبناء مطبخ بل لم اتمكن من معالجة الشقوق التي اصابت سطح المنزل فهو يقطر علينا كلما نزلت الامطار»... وعن انتظاراتها في الشان السياسي المستقبلي التونسي قالت يسرى: «وهل اجد فرصة للتفكير والاهتمام بالسياسة وبطون اطفالي خاوية؟".
بوسلسلة بطالة.. والبالوعات تتحول الى نافورات «البطالة وما تخلفه من مشاكل اجتماعية تحولت في جانب منها الى قضايا في اروقة المحاكم اذ كثرت السرقات والبراكاجات...» في هذه الكلمات لخص منير قيشان ابرز النقائص التي تعاني منها منطقة بوسلسلة المتاخمة لمدينة المرسى واضاف: «في هذا الحي طرقاتنا وشوارعنا لم يقع تعهدها منذ ما يزيد عن 30 سنة وعندما يعرج الزائر بضعة امتار عن الشارع الرئيسي للحي يلحظ حقيقة التنمية والبنية التحتية في المنطقة اذ يصدم بكثرة المطبات على الطرقات وكثرة مصبات المزابل المتناثرة على جنبات الطريق". اما محمد سليتي فشدد على مشلكة البطالة وقال: «ان السياسيين يتسابقون على الكراسي ويهمشون لب الثورة وهي توفير مواطن الشغل... فنحن هنا في» بوسلسة» وعلى حد السواء اصحاب شهادات والشباب المتكون وغيره نعاني قلة مواطن الشغل وانعدام المناطق الصناعية بتعلة قرب المدينة من المنطقة السياحية بالمرسى وقمرت". وفي الجانب الآخر من الحي بالقرب من حي الربيع، اعترضت طريقنا مياه آسنة تسيل على المعبد وصفها محمد صادق ساكيس بقوله: «انها نافورات الحي... وهي على هذه الحال منذ سنين... وكم سعى عمال الصيانة على تسريحها دون جدوى".