رغم تصاعد حالة الخلاف مؤخّرا بين أكثر من طرف وأكثر من جهة فإنّ جميع المتخاصمين سرعان ما يعودون إلى مرابط العقل فيؤكّد جميعهم على أهميّة الحوار وضرورة تعميقه لتجاوز النقاط الخلافيّة وملفات النزاع والتجاذب. إنّ بلوغ قمّة الأزمة مثلما حصل مؤخّرا بين الحكومة واتحاد الشغل من جهة والأغلبيّة والأقليّة في التأسيسي من جهة أخرى وبما بلغه الصراع من حدّة وتبادل للاتهامات وتهديد لاستقرار البلاد وأمنها ، كلّ ذلك أعاد جدل مختلف الفاعلين السياسيين إلى المربّع ألأساسي في الدعوة إلى التعقّل وإعادة ربط جسور التواصل وتغليب العمل الجماعي المشترك المسؤول بعيدا عن كلّ الحسابات الضيّقة والتخمينات الفئويّة والسياسويّة العقيمة. إنّ العنف أو حتّى مجرّد التفكير أو التخطيط له والتوتّر والتشنّج والسباب سلوكات لا تؤدّي إلاّ إلى خسارة المزيد من الوقت وإضاعة المزيد من الفرص عن البلاد لتحقيق تطلعات الثورة وأهدافها والمرور خطوة أخرى على درب إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي إلى مرحلته النهائيّة. وما من شكّ في أنّ تعقّد الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة كذلك يحتاج إلى حوار عميق ومسؤول يضع المصلحة العامّة فوق مصالح «الترويكا الحاكمة» والمعارضة، ذلك أنّه بالرأي والرأي المقابل وبتطارح مختلف الأفكار والمقاربات يُمكن أن تصل المجموعة الوطنيّة إلى رؤى وتصوّرات متناغمة ومشتركة بحثا عن مسالك الخروج من مختلف الأزمات وتذليل الصعوبات أمام رفع التحديات. لقد احتاجت الساحة الوطنيّة مؤخّرا إلى تدخّل عدّة شخصيات من أجل المساهمة في رأب الصدع بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ومن الواضح أنّ هذا التدخّل في طريقه إلى أن يؤتي ثمارا جيّدة بعودة الروح من جديد إلى مسار التشاور والتفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل وفتح طريق أمام الجميع لاستنبات أفكار ومشاريع وبرامج جديدة لتفعيل الجدل الهادئ والمسؤول والبنّاء. مخطئ من يعتقد أنّ التصعيد أو توتير الأجواء وتسميمها ستؤدي إلى نتائج إيجابيّة بل على العكس من ذلك لا يُمكن أن يكون منطق صمم الآذان وإدارة الوجوه بعضها عن بعض إلاّ مدخلا إلى الوقوع في خطيئة القطيعة ومن ثمّ الانحدار إلى المأزق حيث تعميق للخلافات وتوسيع للهوّة بين الفرقاء.