يتواصل هذه الأيام بمصالح وزارة الصحة العمومية النظر في ما يُعرف ب«قضية الفساد الطبي» بقسم القلب بمستشفى الرابطة والتي ادعت فيها طبيبة وجود شبهات فساد طبي بما من شأنه تهديد صحة المرضى. علمت «الشروق» أن الايام القليلة القادمة ستشهد تواصل انعقاد جلسات صلب وزارة الصحة العمومية لمزيد مساءلة الطبيبة المذكورة حول ما ادعته ولسماع أقوالها والاطلاع على ما بحوزتها من أدلة واثباتات قد تؤكد ادعاءاتها أو قد تنفيها. وبالتوازي مع ذلك، سيقع الاطلاع على ما توصلت إليه إلى حد الآن المصالح المعنية بالبحث والتحقيق في القضية صلب وزارة الصحة العمومية. ومن المنتظر أن يقع الحسم قريبا في هذا الملف . شبهة فساد طبي تعود وقائع القضية إلى جويلية 2011 عندما ذكرت طبيبة مختصة في أمراض القلب والشرايين بمستشفى الرابطة عبر وسائل الاعلام أن مريضا أجرت له هي بنفسها عملية بقسم القلب والشرايين لزرع جهاز تعديل وتنظيم نبضات القلب (بطارية مضادة للرجفان) في أوت 2009 ، لكن اكتشفت فيما بعد على حد قولها أن الجهاز فاسد وأنه وقع شراؤه في إطار صفقة مشبوهة وذلك بتدخل من بعض الاطراف النافذة بمستشفى الرابطة وانه تبعا لذلك تعكرت الحالة الصحية للمريض المذكور ولا بد أن يتحمل كل مذنب مسؤولياته. تحقيقات وأبحاث شهدت القضية فيما بعد تطورات عديدة وتدخلت التفقدية الطبية بوزارة الصحة ومختلف المصالح الوزارية المعنية منها التفقدية الادارية والمالية على الخط وأجرت تحقيقات في الامر وسلمت تقارير في الغرض إلى الوزارة . كما اختلفت ردود الأفعال لدى العاملين في الاوساط الطبية ولدى الرأي العام حول الموضوع. اتهامات قالت الطبيبة المعنية أن الجهاز المذكور غير صالح للاستعمال بدليل ان الشركة التي صنعته ( أمريكية لها فرع في تونس ) أصدرت في سنة 2005 بلاغا يقول ان هذا الجهاز به عيوب ويحذر من استعماله. وتضيف الطبيبة أنه رغم ذلك أصرت المصالح المعنية بوزارة الصحة العمومية على مواصلة التعامل مع هذه الشركة إلى 2009 رغم وجود شركات أخرى منافسة يمكن التعامل معها في هذا المجال وانها غضت الطرف عن البلاغ التحذيري وهو ما يوحي بوجود شبهة تلاعب في الصفقات العمومية لشراء مثل هذه التجهيزات الطبية باهظة الثمن من الشركة المذكورة دون غيرها من الشركات الاخرى . تكذيب من جهتهم، يقول المعنيون بهذه الاتهامات من مسؤولين إداريين وأطباء وصيادلة بمستشفى الرابطة أن ادعاءات الطبيبة المذكورة باطلة وأنه حصل لديها لبس في تقييم ملابسات الصفقة المذكورة . ومن جملة ما ذكروه ان الطبيبة المُدعية هي التي أجرت بنفسها العملية الجراحية على المريض المذكور في جويلية 2009 دون التنسيق مع المشرفين الطبيين بقسم القلب والشرايين . وحسب ما يقولونه فإنه على فرض أن الجهاز الذي وقع تركيبه للمريض فاسد أو منتهي الصلاحية ، فقد كان عليها أن تتفطن لذلك بنفسها وبالتالي هي تتحمل المسؤولية فيما حصل (إن ثبت أن الجهاز فاسد فعلا). جهاز سليم من جهة أخرى، يؤكد المعنيون أن الجهاز سليم مائة بالمائة ولهم كل الوثائق و الاثباتات التي تدعم كلامهم منها اعترافات رسمية من الشركة الامريكية المصنعة للجهاز . فهم يعتمدون مثلا على وثائق تقول أن الجهاز مصنوع في فيفري 2009 و تنتهي صلاحية تعقيمه في فيفري 2010 وبالتالي فان زرعه للمريض في جويلية 2009 عملية سليمة ولا تشكل أي خطر على صحة المريض المذكور. ويضيفون أن التنبيه الذي أصدرته الشركة الامريكية المُصنعة في 2005 يهم صنفا آخر من أجهزة تعديل نبضات القلب (حسب رقم سلسلة الصنع) ولا يهم الجهاز المعني في هذه القضية . اعترافات يستند المعنيون أيضا على اعترافات خطية كتبتها الطبيبة المعنية في تقاريرها الرسمية وجهت نسخة منها إلى الكنام في سبتمبر 2011 حول متابعة حالة المريض تقول فيها أن حالته مستقرة بعد شهر وسنة و20 شهرا من العملية. ويتساءلون تبعا لذلك لماذا لم تُشر في أي من هذه التقارير إلى عدم صلاحية الآلة . صفقات بالنسبة للتهم بوجود تلاعب في الصفقات العمومية بوزارة الصحة وتحديدا بالقسم الاستشفائي المعني بهذه القضية، يقول المعنيون أن الشركة المعنية معروفة على الصعيد العالمي في المجال وهي من بين 5 شركات عالمية مختصة في هذا النوع من الأجهزة، منها 3 ممثلة في تونس ولم تحصل لها أية مشاكل. فالجهاز المعني في قضية الحال على حد أقوالهم يباع في أوروبا دون مشاكل تُذكر، كما أن كل أقسام القلب والشرايين بالبلاد التونسية تقتني منه باستمرار وإلى يومنزا هذا دون ان يحصل معه اشكال واحد طيلة السنوات الماضية، وهو حاصل على التراخيص اللازمة لترويجه في تونس من الوكالة الوطنية للرقابة الصّحية والبيئية للمنتجات التابعة لوزارة الصحة العمومية ومن الديوان التونسي للتجارة . كما انه يقع الأخذ بعين الاعتبار عند ابرام صفقات مثل هذه الاجهزة الدقيقة وباهظة الثمن – بالجودة وبمدى توفر الجهاز بالسرعة المطلوبة لدى ممثل الشركة في تونس، لأن العملية لا تحتمل الانتظار، وبتوفر مهندس تابع للشركة على التراب التونسي لان حضوره اجباري بغرفة العمليات عند اجراء العملية . لذلك فإن شراءه لا يمر في غالب الاحيان عبر الاجراءات العادية للصفقات العمومية التي تستوجب وقتا طويلا وقد يتوفى المريض قبل اتمام الصفقة (خاصة بالنسبة للمرضى المحتاجين لمثل هذه العمليات لان القلب فيها يكون في آخر مراحله وقد يتوقف في أية لحظة). وبالتالي تتم عملية الشراء عادة بسرعة ومن الشركة التي تتوفر فيها الشروط المذكورة (الجودة توفر الجهاز حالا بتونس توفر مهندس). في الانتظار لم يقع الحسم بعد في هذا الملف وفق ما أكدته مصادر مطلعة في انتظار استكمال مختلف الابحاث والتحقيقات الادارية والقضائية . ويبقى الملف مرشحا لمزيد من التطورات ، لكن ما يمكن قوله ، سواء صحت اتهامات الطبيبة المعنية أم لا ، أن وزارة الصحة مطالبة بحسم الامر في أسرع وقت ممكن لان الحديث حوله طال أكثر من اللزوم وهو لا يخدم مصلحة أي كان خاصة مصلحة القطاع الطبي في تونس والسمعة الطيبة التي يحظى بها في العالم والتطور الذي شهده ولا زال على جميع المستويات.