قفز فوق السور الأمامي لكلية الآداب بمنوبة أين يرفرف علم تونس عاليا، فجذبه بقوة ومزقه ورماه أرضا وعوضه بعلم أسود كتب عليه «لا إله إلا الله» هذا ما وقع أمس أمام جامعة منوبة للآداب من قبل أحد الملتحين.
لم يثنه صراخ الحاضرين وتنديدهم بهذا التصرف المشين في حق راية الوطن، لتكون بذلك بداية الشرارة لانطلاق موجة غضب شديدة بين صفوف الطلبة، بل تحول الصراع فوق سطح الجامعة، بين المؤيدين والرافضين لإنزال العلم. وبدأ الوضع يتأزم شيئا فشيئا في كامل أنحاء الجامعة ليصل الأمر أحيانا إلى مناوشات لفظية ومادية بين الطلبة والسلفيين وبعض الأساتذة، فكان الحوار غائبا ليعوضه الشتم والاهانات والتكفير.
امتزج صوتها بالغضب والألم وبالكاد استطاعت بعض الكلمات الخروج من حنجرتها لتقول: «لقد وصلنا إلى حد تمزيق العلم واقتلاعه من مكانه هل هذه هي الديمقراطية أيها السلفيون؟ لا نرديكم في جامعتنا فهي حرّة ومستقلة» هكذا عبرت إيناس الوافي طالبة بالسنة الثالثة انقليزية عن سخطها من إهانة العلم، لم تكن وحدها الرافضة لهذا التصرف، بل أيدها عدد كبير من الطلبة المستقلين والاتحاد العام لطلبة تونس حيث يقول في هذا السياق سامي بن غازي طالب سنة أولى حقوق بجامعة المنار وكان حاضرا على هذه الأحداث «صحيح أني غريب عن هذه الجامعة ولكن ما جمع الطلبة هنا هو استقلالية الجامعة وحرمتها، فأن يصل الأمر إلى حد تمزيق وتغيير العلم هذا مرفوض تماما ولن نسمح بتكراره في أي جامعة تونسية أخرى ولن نجعل هؤلاء السلفيين يتحكمون في مصيرنا فبحجة النقاب تجاوزوا حدودهم.
النشيد الوطني والتكبير «حماة الحمى، يا حماة الحمى: هلموا هلموا لمجد الزمن، لقد صرخت في عروقنا الدماء: نموت نموت ويحيا الوطن». هكذا بدأ بعض الطلبة يردّدون النشيد الوطني في ساحة جامعة منوبة ولكن فوجئ الجميع بدخول الطلبة السلفيين على الخط وقاطعوهم ليكبروا «الله أكبر، الله أكبر» ثم تحولت هذه الصدامات إلى الشتم من كلا الطرفين.. وارتفعت درجة الحرارة لتصل الى تبادل العنف وايقاف خمسة طلبة استوجبت اصابات ثلاثة منهم تم نقلهم الى مستشفى القصاب، وليتحول المكان إلى ساحة للتكفير والاتهامات المتبادلة، وأصبحنا لا نسمع إلا كلمتين وهما «يا كافر» و«يا رجعي».
ارحل.. ارحل
«على العميد أن يرحل من جامعة منوبة لا نريده هنا، فلم يعد مطلبنا فقط حق الأخت المنقبة في التعليم أو توفير «مصلى في الجامعة» بل هدفنا الآن طرد العميد بلا شفقة» هكذا استهل بلال الشاوش طالب من جامعة الزيتونة كان حاضرا على عين المكان، ليواصل كلامه قائلا. «يا من تدعي الرقي والحضارة والثقافة، لن تبقى عميدا على جامعة عريقة كمنوبة، فأنت تحمي اليساريين لأننا نعرف جيدا بأن هذه الجامعة هي معقلهم، ولكن يا عميد الجامعة حان وقت الحساب».
صلاة الظهر
أمام مبنى عمادة جامعة منوبة اتجه أحد الطلبة الملتحين ورفع اذان صلاة الظهر، وقد أغضب هذا التصرف بعض الطلبة واعتبروه استفزازا لهم حيث تقول احدى الطالبات «لقد سئمنا مثل هذه التصرفات، وتعطلت الدروس وها نحن ندفع ثمن التجاذبات السياسية بالجامعة».
قضية عدلية ضد ثلاثة وزراء
تعرض أستاذ التعليم العالي بجامعة منوبة «هيكل بن مصطفى» إلى العنف اللفظي من قبل عدد من الطلبة الملتحين وحاولوا التهجم عليه لكن تدخل بعض الطلبة لتهدئة الوضع وعن هذا الموضوع يقول الأستاذ بن مصطفى: «لو كنت أعرفهم لتتبعتهم عدليا أو في المجلس التأديبي ولكنهم ليسوا من طلبتنا، ولكني سأرفع قضية ضد وزراء العدل والداخلية والتعليم العالي لأنهم لم يتخذوا مواقف صارمة للحدّ من هذه التجاوزات اللاأخلاقية في حق الجامعة والأساتذة».
معركة بين العلم والجهل
ذهبنا للبحث عن عميد كلية الآداب بمنوبة حبيب الكزدغلي فلم نجده في مكتبه، بحثنا عنه طويلا فوجدناه في قاعة الاجتماعات مع الأساتذة في قاعة «حسن حسني عبد الوهاب» فسألناه عن أسباب تأزم الوضع في جامعة منوبة فأجاب: «باختصار إنها معركة بين العلم والجهل، ولن نسمح لهؤلاء بالسيطرة على جامعتنا، والخطير هنا أن بعض الطلبة السلفيين من جامعات مختلفة يتوافدون بكثرة هنا وهذا ما أزم الوضع وغابت لغة الحوار ووصل الأمر إلى تهديد احدى الزميلات بالقتل. أما أنا شخصيا فأشتم وأهان كلما سنحت لهم الفرصة، وكأني عدوّ لهم، لقد طالبوا برحيلي وأقول لهم: «أنا عميد منتخب من قبل زملائي والمجلس العلمي»، فلن تصلوا إلى هدفكم، فجامعتنا حرّة ولن تسيطروا عليها بأفكاركم الرجعية، فعندما قلت منذ ثلاثة أشهر إن لب الموضوع هو منع الاختلاط داخل الجامعة وأن هؤلاء السلفيين يريدون تسميم أفكار الطلبة، قالوا بأني أضخم الأشياء، فانظروا إلى أين وصل الوضع، ولا حياة لمن تنادي، وكأننا في جزيرة أخرى.