ومرة أخرى، يكشف الموقع الاجتماعي عن قدرته الخرافية على حشد الناس وتجييشهم بسرعة كبيرة، فتتالت النداءات من اليسار والعديد من التيارات الفكرية والسياسية للتحرك نحو جامعة منوبة، وركب سياسيون كثيرون على الحادثة التي شغلت الجميع. بعد ذلك كتب ناشط حقوقي في صفحته مستغربا: «كل هذا من أجل ثلاث طالبات، أقول جيدا ثلاث طالبات لا أكثر، كدن يتسببن في حرب أهلية في البلاد لأنهن رفضن كشف وجوههن لتبين هوياتهن عند دخول قاعة الامتحان». يجب أن نعود إلى تطورات الأحداث في الموقع يوم الاثنين، حيث نشر ناشطون من اليسار أخبارا قصيرة عن جماعات كثيرة من السلفيين يداهمون جامعة منوبة ويهددون الأساتذة والطلبة. تكاثرت الأخبار ومقاطع الفيديو بعد ذلك، وغلبت مقالات اليساريين الذين وجدوا في هذا الحادث «خبزا مباركا» لمهاجمة السلفيين والنهضة وكل من يتخذ من الدين مرجعية فكرية أو سياسية. كتب ناشط شاب من حزب التجديد أن عشرات الملتحين يزحفون على الجامعة على متن الشاحنات الخفيفة مزودين بالحشايا وما يلزم للنوم والاعتصام في الكلية وتعطيل الدروس. كما كتب أن أشخاصا عليهم علامات الأمية والجهل والاستعداد للعنف يهددون أساتذة الجامعة في تحد «للحرم الجامعي». تتالت الأخبار سريعا عن احتجاز عميد الكلية وتطور الوضع نحو المزيد من التوتر، عندما دعا شباب كثيرون على الموقع إلى «الزحف على منوبة». ظهرت أيضا العديد من الأخبار المثيرة مثل أن أحد السلفيين قد طعن طالبة بسكين، لكن تبين بسرعة أن الخبر مدسوس في إطار عدة أكاذيب أخرى يطلقها البعض للتحريض. في الأثناء، كان الناشطون السلفيون على الموقع صامتين، مثل أنصار النهضة، ينتظرون تبين الأحداث. بعد ذلك، بدأوا في الرد بتكذيب كل ما راج عن حدوث عنف، «كل ما حدث، هي نقاشات علمية وفقهية حول حق النساء في النقاب، ووجوب الفصل بين الجنسين في قاعات الدراسة، وعن حق الطلبة في الصلاة». ونشرت طالبة سلفية على صفحتها هذا النداء: «الرجاء من الإخوة الطلبة التوجه حالا إلى كلية الآداب بمنوبة لمساندة الإخوة لأن بني علمان والطلبة الشيوعيون وأنصارهم يريدون إخراجهم من هناك وفك الاعتصام»، وبدت الجامعة على وشك مواجهة حربية. ولم يقدر ناشطون سياسيون كثيرون على منع أنفسهم من ركوب الحدث وتحريض الشباب على المواجهة وحتى نشر الأخبار الزائفة، وكتب ناشط من اليسار: «ألم نقل لكم إن النهضة والسلفيين سوف ينقلبون على الثورة ؟ سوف يحولون تونس إلى أفغانستان قريبا». وكتب ناشطون معروفون برصانتهم أنه قد آن الأوان لتكشف النهضة عن موقف واضح من السلفيين الذين اقتحموا الجامعة، وأن تكون بصفتها حركة سياسية فائزة بالأغلبية في مقدمة الذين يواجهون مثل هذه التصرفات. ودعا عقلاء آخرون ممثلي المجتمع المدني إلى التحرك الفوري لمواجهة مثل هذه الظواهر المتكررة في المؤسسات التربوية. غير أن العقلاء وأصحاب الرأي في الموقع قلة، والأغلبية تمارس الغوغائية والتحريض والفوضى، مما جعل أحد الشباب المعروفين بسخريتهم يكتب على صفحته: «هل يتحدثون عن منوبة جامعة منوبة أم سبيطار منوبة (مستشفى الأمراض العقلية الرازي)؟ لأن ما يكتبونه يشبه الجنون». إنها محنة أخرى من محن التدرب على الحرية.