ومازالت العديد من الاشكالات القديمة الجديدة مطروحة بقوة. داخل المساجد فوضى أربكت عديد المصلين وفزعت لها وزارة الشؤون الدينية. أصدرت وزارة الشؤون الدينية بيانا جديدا هذا الاسبوع جددت خلاله الدعوة الى الكف عن المساس بحرمة المساجد، منبهة أن المساجد هي جزء من المؤسسات العامة فلا يجوز أن تكون خارجة عن القانون.
وكان عدد من المساجد قد شهد بعد الثورة فوضى، وزجا لبيوت ا& في التوظيف السياسي، حيث أسرع عدد من المصلين في عشرات المساجد في كامل تراب الجمهورية الى طرد عدد من الأيمّة أو خلعهم بتعلات قرب عدد منهم من النظام السابق أو عدم الكفاءة أو لغاية السيطرة على هذا المسجد أو ذاك، ويؤكد علي اللافي المستشار السياسي والاعلامي لدى وزير الشؤون الدينية أن أكثر من 400 مسجد شهد مثل هذه الاشكالات، رغم تقلص الظاهرة مؤخرا، وأفاد اللافي بأن «تونس الكبرى وخاصة الضاحية الجنوبية وأيضا بنزرت هي المناطق التي شهدت أكثر من غيرها مثل هذه الأحداث».
قديم جديد
توظيف المساجد هو اشكال قديم جديد، حيث اتهمت عدد من القوى السياسية الاسلامية أساسا في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات بتوظيف المساجد لتمرير خطابها السياسي ولتعبئة المصلّين وتحريضهم على النظام الدكتاتوري الحاكم آنذاك.
وبنفس الحجة التوظيف أصبحت منابر المساجد، فضاء آخر بررت خلالها سلطة النظام السابق سياساتها، إذ كان استثناء أن تخلو خطبة جمعة من تمجيد حسنات النظام السابق وكرمات «السيد الرئيس» وحرمه أحيانا...
توظيف المساجد لم يتوقف بمجرد الاطاحة بهذا النظام، ولكن الأمر زاد حدة، ومثل جدلا كبيرا في الساحة بعد اكثر من عام على 14 جانفي، حيث أصبحنا نتحدث عن مساجد «سلفية» وأخرى قريبة من هذه القوة السياسية أو تلك.
وفي حين أصدرت حركة النهضة بيانا بعد أسابيع قليلة من عودتها الى ساحة العمل العلني أكّدت خلاله على تحييد المساجد عن العملية السياسية ودعت فيه الى عدم توظيف بيوت ا&، غير أن الأمر تواصل حتى وهي في سدة الحكم اليوم، بل إن عددا من القوى أكّدت ان انصارا للحركة شاركوا في خلع وتنصيب الأيمة، علاوة على التيارات الاسلامية الموجودة في الساحة.
خطب الجمعة
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية، تطرقا لمواضيع سياسية أيام الجمعة، من على منابر بيوت ا&، حيث أكد علي اللافي أن وزارة الشؤون الدينية تبينت من أن عددا من الأيمة ألقوا خطبا معادية للسياحة في تونس ودعوا الى مقاطعتها بل ان عددا منهم دخل في جدل أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل مع الحكومة وأعطى مواقف وآراء سياسية.
وفي التحري عن مصادر خطب الجمعة أكّدت المصادر أنها اجتهاد من الأيمة، بل اعتبر اللافي ان فرض الخطب يتنافى ومقاصد الثورة وهو سلوك قطع معه الشعب التونسي، غير أن وضع الانفلات الذي شمل حتى المساجد نتج عنه بعض المظاهر الغريبة وأيضا في خطب الجمعة.
وأكّد اللافي ان الوزارة اتصلت بالوعاظ الجهويين وطلبت منهم التنبيه على الأيمة الذين ثبت عليهم مثل هذا الأمر.
ومن جهة أخرى أفاد مستشار وزير الشؤون الدينية أن الوزارة ستصدر موقفا يحث جمعيات المجتمع المدني عدم استعمال المساجد في أنشطتها بما في ذلك دعوات رجال الدين الاجانب.
«جامع»
وتعتبر وزارة الشؤون الدينية في بيان صادر عنها ان «الجامع كما يدل على ذلك اسمه، هو مركز وحدة للأمة فهو يجمع ولا يفرّق. يجتمع فيه الناس كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم للصلاة والعبادة طمعا في رحمة ربهم ومرضاته، ان فرقتهم الدنيا جمعتهم الآخرة، وإذا تشاحنوا وتباغضوا لمصالح دنيوية فإنهم يهرعون الى المساجد بقلوب خاشعة ليتصالحوا ويتطهروا من الشحناء والبغضاء».
ودعا وزير الشؤون الدينية في جندوبة أخيرا خطباء المساجد الى الاستزادة في العلم واحترام القانون.
ويؤكد اللافي أن الامام الخطيب يجب ان تتوفر فيه مقياس تحصله على شهادة الباكالوريا زائدها سنوات في العلوم الاسلامية وهذا ما ستعمل الوزارة على تطبيقه، أما البقية فسيتم التعامل معهم حالة بحالة.
وتبحث الوزارة عن حلول قد تجنب البلاد خطر تسييس المساجد خاصة أن المراجع أصبحت عديدة وليست وحيدة والساحة تشهد وجود عدد من الاتجاهات الاسلامية (حزب التحرير، حركة النهضة والسلفيون).
حلول
يفيد علي اللافي أنه وفي «اطار الضوابط والحفاظ على الوسطية وروح التسامح تعمل الوزارة على اصدار نشرية بعنوان «وذكر» ستكون موجهة للاطار المسجدي، يستفيد منها من معرفة الواقع في شتى المجالات وفي الخطب دون توجيه مباشر.
ويؤكد اللافي أن الوزارة لن تتوانى في الوقوف ضد كل خطبة تتعارض مع وسطية التونسيين ومبادئ الثورة التونسية.
وكما ذكر مسبقا فإن وزارة الشؤون الدينية تعمل على تجديد الاطارات المسجدية حيث أنها ستعمل على انتداب خطباء مساجد لهم شهائد في العلوم الاسلامية.
وكانت الوزارة، أمضت محضر جلسة مع نقابة الاطارات المسجدية تناول نقاشا حول مقترح النقابة في أن يقع سن قانون أساسي ينظم هذه الوظائف، ويتم من خلاله تحويل الاطارات الدينية الى الوظيفة العمومية على غرار التجربة الجزائرية، فرغم ما شهدته الجزائر من سنوات الجمر في التسعينات والعنف المتواصل فإن المساجد حافظت على حرمتها وتحييدها من دائرة الصراع.
وتفيد المؤشرات أن النقاشات قد تفضي الى الاقتداء بهذه التجربة.
قانون 88 ودور الدولة
ورغم ضم قانون 1988 نقاطا صريحة تمنع توظيف دور ا& في أي نشاط سياسي، غير أن النظام السابق كما يجمع على ذلك أغلب التونسيين وظف هذه المنابر المنزهة وكان لهذه السياسة أثر في رواج الخطاب المتشدد والرافض للخطاب المعتدل والوسطي التونسي.
ويؤكد اللافي أن قانون 88 سن في ظرف معين وقصد من خلاله أن يكون آداة من أدوات محاصرة جزء من المجتمع المدني، ولكنه شدد على أن «روح القانون يجب ان تطبق في انتظار قانون جديد يضبط العمل الاداري للمساجد وينظمها بعيدا عن التوظيف السياسي والاستغلال من طرف البعض اليوم وغدا».
وتروج بعض الافكار التي أصبحت متداولة عند العديدين بأن تحييد المساجد مشكلة ليس بالسهل حلها، فبتعلة الحماية من التوظيف، قد توظف بيوت ا&، بحكم موازين القوى المنصفة لقوى أو حفاظا على مصالح أخرى، ولكن الاغلبية يتفقون في أن للدولة «الدور الفعال» لحماية حرمة المساجد.