تزويد مركز الوسيط بطريق المطار في جهة صفاقس بتجهيزات طبية جديدة    صفاقس: تجهيزات طبية حديثة بمركز الوسيط... التفاصيل    سوريا: ارتفاع حصيلة الاشتباكات في السويداء إلى 594 قتيلا    مباريات ودية: نتائج يوم الخميس وبرنامج نهاية الأسبوع    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    دعا إليها رئيس الجمهورية خلال لقائه بوزير الشؤون الاجتماعية... مراجعة جذرية لدور الصناديق الاجتماعية    القصرين: إخماد حريق اندلع بجبل عبد العظيم    المعلّم الثائر الذي لاحق الاحتلال الصهيوني في كلّ مكان: جورج عبد الله حرّ... بعد 40 عاما    مشروع قانون في البرلمان    بعد حجز 700 طن من المواد الفاسدة: محتكرون ومهرّبون متورّطون في الإرهاب الغذائي    وزير التعليم العالي .. زيادة عدد الناجحين    الهوارية... شاب ينقذ امرأتين من الغرق    وصفتها بأنها معلّمتها الأولى ..وفاة والدة الفنانة هند صبري    اسألوني: يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: موقف الإسلام من الإسراف والتبذير: حسن ترشيد استهلاك الماء    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ديني واجتماعي    عاجل: الجامعة التونسية لكرة القدم تكشف عن رزنامة الموسم الرياضي 2025-2026    العودة للعمل بعد الإجازة صعبة؟ إليك 5 طرق لتجاوز الاكتئاب    المهرجان الصيفي منوبة الدندان يفتتح المهرجانات الصيفية بالجهة    وزير السياحة يكشف عن التوجه لإحداث منصة وطنية لهيكلة وتنظيم السياحة البديلة في تونس    كدمات على يد ترامب.. البيت الأبيض يكشف السبب ويكشف الحالة الصحية للرئيس    جلسة صلحية مرتقبة غدا في صفاقس للإعلان عن إلغاء إضراب أعوان شركة "سونوتراك"    بي هاش بنك يقدّم تقريره الأوّل للاستدامة    الترجي يخوض تربّصه التحضيري بعين دراهم استعدادًا لانطلاق الموسم الجديد    المندوبية الجهوية للثقافة بسليانة تعلن عن برمجة مهرجان سليانة الدولي    جوان المنقضي أشد حرارة من المعتاد: تقرير مفصّل من الرصد الجوي.. #خبر_عاجل    عاجل/ الناتو ينقل أنظمة باتريوت الى اوكرانيا وروسيا تستعد لحرب شاملة    تغيرات الطقس تهاجم الرئتين بصمت... كيف تحمي نفسك؟    عاجل/ هذا ما قرّرته دائرة الإتهام في حق أحمد صواب    حرمت 20 عائلة من الماء: انتشال شاة نافقة من منشأة مائية بهذه الجهة    عاجل: بسبب قناة صرف مياه منهارة... أشغال مستعجلة تُغلق شارعًا رئيسيًا بسكرة    حالة الطقس هذه الليلة    أنس جابر: "أعتقد أن الوقت قد حان لأخذ خطوة للوراء ومنح الأولوية لنفسي "    قابس: وفاة شخص وإصابة 4 آخرين في حادث مرور بالعمارات بالمطوية    عاجل/ "إنتشار مرض السيدا في قفصة": مسؤول بالصحة الأساسية يرُد ويوضّح    وزارة املاك الدولة تفوّت بالدينار الرمزي في الارض المخصصة لمدينة الاغالبة الصحية بالقيروان    إنتقالات: تونسي يلتحق بالإطار الفني لنادي يانغ أفريكانز التنزاني    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول تجاري جنوب بغداد..#خبر_عاجل    القوات الفرنسية تغادر السنغال بعد 65 عاما من وجودها العسكري هناك    الفنون الدرامية والركحية بالمهدية: مهرجان مسارات ..قريبا    ندوة صحفية يوم الاثنين المقبل للاعلان عن برنامج الدورة ال30 للمهرجان المغاربي للفروسية ببوحجلة    هام/ انجاز طبي نوعي بقسم الأنف والأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي بقابس..    آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة..#خبر_عاجل    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    ''ننّي ننّي جاك النوم''... الغناية اللي رقدنا عليها صغار...أوّل مرّة بش تقراها كاملة    الجامعة التونسية لكرة القدم تصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    بعثة الأهلي تطير إلي تونس صباح الجمعة لاجراء تربص تحضيري    تحذير: موجة حرّ خانقة تضرب تونس...وذروتها يوم الإثنين!    نقطة تحول في مسيرة العلامة التجارية/ "أودي" طلق سيارتها الجديدة "Q6 e-tron": أنور بن عمار يكشف السعر وموعد انطلاق التسويق..    مطار جربة جرجيس يستقبل أكثر من 5700رحلة جوية من 17 دولة    خدمة إلكترونية تحلّك مشكل زحمة ال'' Péage''وتربحك وقت    "كريم الفيتوري يدعو إلى تحالفات بين علامات تونسية لاكتساح أسواق زيت الزيتون العالمية"    هل الضوء في الصيف يزيد من حرارة المنزل؟ الحقيقة العلمية!    البطولة الافريقية لالعاب القوى للشبان : التونسية فريال شنيبة تحرز برونزية مسابقة الوثب الثلاثي    قيس سعيّد: مؤسسات بلا جدوى ونصوص تستنزف أموال الشعب    "تعبت".. تدوينة مؤثرة ترافق استقالة مفاجئة للنائبة سيرين مرابط وتثير تفاعلاً واسعًا    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: في الكرة وضواحيها
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

أغرمتُ بممارسة لعبة كرة القدم منذ صباي المبكّر. اعتاد والدي أن ينتقل بنا من مكان الى آخر حسب حركة رجال التعليم. ولم يكن امامنا غير «اللعب» للانغراس كل مرّة في تربتنا الجديدة. أمضيتُ الجانب الاكبر من طفولتي في قرية الشريفات على بعد كيلومترات من قربص. كانت قرية جميلة خضراء تعبق بروائح الخرّوب والصنوبر وأشجار البرتقال، يسكنها فلاّحون بسطاء طاب لهم فيها المقام قرب احدى اجمل المدن الاندلسية التونسية، سليمان. لم يكن ثمّة من تسلية في الشريفات لمن هم في مثل سنّي غير التجوال عبر الحقول او اختراع شتّى انواع الالعاب «الفقيرة». الجري في المسارب الملتوية على امتداد مئات الامتار دون ان تقع علينا اشعة الشمس، لقرب الاشجار بعضها من بعض. ركوب الدراجات المصنوعة من الخشب. مطاردة الفراشات. البحث عن اعشاش السماني. جمعُ أزهار الشمام التي تشمّ وتؤكل في الوقت نفسه. تطلّب الأمر منّا وقتا طويلا كي نتعلّم كيف نقتلع تلك الازهار العجيبة ثم ننزع اوراقها ثم نلتهمها ضاحكين. معها عرفت أن «الجمال» (هو أيضا) يمكن ان يؤكل اذا لم يكتسب مخالب تدافع عنه. غير ان اهم العابنا كانت دون شكّ لعبة كرة القدم. تيسّر لنا (أنا واخوتي) باعتبارنا «أبناء المدير» ان نستقبل اصدقاءنا داخل ساحة المدرسة، خاصة بعد انتهاء حصص التدريس وعند انصراف الوالد لقضاء بعض الشؤون. كنّا نتدبّر أمرنا للحصول على كرة بهذه الطريقة او تلك، ولتكن من قماش اذا تعذّر وجود كرة مطاطية، ثم نغافل الجميع لنتسلّل الى ساحة خلف سياج المدرسة فنتقاسم الادوار، فريق من هنا وآخر من هناك، مع تكليف احدنا بلعب دور الحكم. أذكر اني كنت العب بنهم وأحلم بأن اصير لاعبا كبيرا ونجما من نجوم فريقي المفضّل. شغفي بممارسة هذه اللعبة بلغ حدا ازعاج والدي، الذي لم يدّخر جهدا في سبيل اغرامي بالادب او باحدى الرياضات الذهنية. أذكر أوّل رقعة شطرنج جاءني بها. كانت رقعة من صنعه. مربّعات بقلم الرصاص على لوح من تلك الالواح التي يستعملها تلاميذ المدارس المهنية لتثبيت اوراق التصوير الهندسيّ. اما البيادق وسائر القطع فكانت من «القنانيط»، بكرات الخيط التي وضعتها أمّي جانبا بعد ان استنفدتها حتى الرمق الاخير على ضريح ماكنتها «السينجر» العتيدة. وقد احببت ذلك كلّه، وكنت مقرا العزم (بسذاجة أحسد عليها والحق يُقال) على ان اكون اول اديب يكتب مثل العرب الأقحاح ويلعب الشطرنج مثل الشياطين الروس ويمارس كرة القدم كعفاريت البرازيل. ولعل الامر لم يكن صعب المنال. وربّما كان في وسع القارئ ان يجدني اليوم على بنك لاعبي منشيستر يونايتد او ريال مدريد (وما ادراك ما...) لولا حدوث ما حدث.
كنت في التاسعة او العاشرة من عمري وكان الوقت صيفا وكنا في ذروة المقابلة. وصلتني الكرة. راوغتُ اللاعب الاول ثم الثاني مقتربا من مرمى المنافس. رفعت رأسي وألقيت نظرة على الملعب كما يليق بكلّ لاعب يحترم نفسه. دغدغ أذني حفيف الصنوبر مختلطا بأصوات صبية خيّل إلي أنهم يهتفون باسمي. أحسست للحظات بنشوة قريبة من الاغماء وتخيّلت أني في ملعب كبير وأن آلاف العيون تنظر اليّ... قرّرت ان احتفظ بالكرة وأن احاول التسجيل بمفردي. فجأة امتدّت ساق احدهم (لا اذكر اسمه الآن) وحصدتني حصدا من على ساحة اللعب. سقطت ارضا وسمعت دويا هائلا اكتشفت فيما بعد انه صوت احتكاك مرفقي ورأسي بالحصى. لم تكن تلك اول مخالفة ترتكب ضدّي فاللعبة توأم للمخالفات، لكنها كانت مخالفة ذات طعم خاص، اتّفق في ذهني مع تعليق لم يغادر ذاكرتي حتى الان... نهضتُ مترنّحا معتقدا أن «الحكم» قد صفّر دون شك، لكن اللعب تواصل... اقتربت من «حاصدي» صارخا مهدّدا فإذا هو يستقبلني بدهشة، سائلا: ولمَ الغضب؟ أنا لم ارتكب خطأ ما دام الحكم لم يتفطّن الى ذلك.
«مستقبلي الكروي» كلّه تحطّم بتلك الكلمات...
لقد تربّيت طيلة حياتي على اجتناب الخطأ لاقتناعي بأنه خطأ، لا خوفا من أن يتفطّن اليه حكم ما. هكذا بات يقينا لديّ بأني لا يمكن ان افلح في الرياضة، ولا في اختها السياسة، لما لم تتغيّر المواهب المطلوبة في اللعبتين.
بعد ذلك بسنين، شاهدت مارادونا يسجّل هدفا بيده ثم يُسأل عن ذلك فيقول انها «يد الله»، فيصفّق الجميع للغش الناجح ذي الروح الخفيفة... ما شاء الله... ها هو احد اكبر لاعبي العالم يؤكد حكمة العصر الجديد... ان ننسى اللعب الجميل والنظيف، وأن نؤمن بأن ا للعبة الوحيدة الممكنة، هي اللعبة التي يكفي ان تغفل فيها عين الرقيب، حتى تتحوّل يد السارق الى يد إلهيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.