الفقر، الحرمان، الخصاصة كلها عوامل قد تؤدي بالإنسان إلى الخروج عن المعقول والقيام بأفعال لا إرادية وهذا ما قام به لزهاري السويهي القاطن بحي الساقية بتاجروين فقد نصب خيمة في الشارع وأسكن فيها زوجته وأبناءه الأربعة.
بعد أن تناهى إلى مسامعنا الخبر كان لا بد من زيارة إلى حي الساقية للاطلاع على ملابسات هذا العمل الذي أقدم عليه هذا الشاب وبحكم معرفتنا لهذا الحي لم نجد صعوبة في الوصول. الخيمة عبارة عن غطاء بلاستيكي فوق أعمدة حديدية ومن المحيط تتدلى أغطية وأفرشه صوفية قديمة. بعد أن استقبلنا صاحب البيت عفوا صاحب الخيمة أدخلنا إلى وسطها.
لم نر سوى بعض الحشايا والأغطية وموقدا غازيا. لم نسأل عن الأحوال لأنه من العيب أن نسأل عنها ونحن نشاهد على عين المكان الظروف الاجتماعية اللاإنسانية للعائلة فبادرنا الشاب بالكلام: لقد كرهت هذه الحياة، إن كل العوامل ضدي، كنت أقطن في منزل على وجه الكراء ليس به لا ماء ولا كهرباء ورغم ذلك فإني كنت راضيا إذ من أين لي أن أتسوغ منزلا لائقا وأنا العامل على حساب الحضائر ب120 دينارا؟ وفي المدة الأخيرة طالبني صاحب البيت بالخروج، لم أجد سوى هذا الحل.
أبنائي محرومون من ضروريات الحياة عندما أتذكرهم تسود الدنيا في عيني كم هي قاسية هذه الحياة منذ صغري وأنا أعاني لم أعرف يوما واحدا مفرحا في حياتي فإلى متى سنبقى على هذا الوضع المؤلم؟ لوكان لي البديل لما تصرفت هكذا فهل هناك من يحب أن تبقى عائلته في الخصاصة والفقر لا أظن ذلك ولكن الظروف وحدها هي التي تحدد مصيرنا...
بعد لحظات من الصمت تتكلم الزوجة راضية بدري: لم نعد نفكر في أنفسنا وهمنا الوحيد كيف نربي أبناءنا فما هومصيرهم إذا كبروا على هذه الحالة؟ لماذا لا يعيش أبنائي كبقية الأطفال هل كتب عليهم الحرمان كما كتب علينا من قبل؟ تصوروا زوجة مع أبنائها يسكنون في خيمة في الشارع هل هذا معقول ومقبول؟ لكنها الظروف لقد قست علينا هذه الدنيا. تصمت الزوجة وتحدق بعينيها في السماء وكأنها تبحث عن شيء ما ولكنها لن ترى سوى أعمدة من الحديد فوق رأسها وغطاء بلاستيكي...
هذه عينة اجتماعية لعائلة دمرها الفقر والحرمان والخصاصة ولا بد من حلول جذرية وفعلية قبل أن تتفاقم الأزمات وحين ذلك يصعب التحكم فيما قد يحدث.