بعد خمس جلسات سابقة، واصلت أمس المحكمة العسكرية الدائمة بالكاف النظر في قضية شهداء تالة والقصرين والقيروان وتاجروين التي يواجه فيها 22 متهما، منهم الرئيس المخلوع ، تهما عديدة بسبب اطلاق الرصاص على المتظاهرين أيام الثورة. وتهُمّ القضية 23 شهيدا وما لا يقل عن 600 جريح.
التأمت أمس الجلسة السادسة لقضية شهداء تالة والقصرين بالمحكمة العسكرية الدائمة بالكاف في ظروف استثنائية بعد أن شهدت الجلسة الماضية انسحاب محاميي المتهمين ثم رفعت الجلسة من قبل القاضي بشكل مفاجئ وهو ما أغضب عائلات الشهداء والجرحى الذين توجهوا من المحكمة نحو الحدود الجزائرية كتعبير منهم عن احتجاجهم ومحاولة تبليغ أصواتهم إلى السلطات الجزائرية.
وفي أحد الايام الماضية تجمعت لأول مرة عائلات الشهداء والجرحى من كامل أنحاء الجمهورية امام مقر وزارة الدفاع الوطني بالعاصمة للمطالبة بضمان محاكمات عادلة في قضايا الشهداء والجرحى بمحكمتي تونس والكاف العسكريتين وبالتعجيل في الكشف عن المتورطين الحقيقيين في اطلاق الرصاص على أبنائهم بعيدا عن «السياسة» وعن كل ما من شأنه اثارة الشكوك والظنون لديهم ولدى الرأي العام . وقد وعدهم مسؤولو الوزارة بان القضاء العسكري سوف يواصل النظر في القضية ، كما بدأها قبل أشهر، بكل استقلالية وشفافية بعيدا عن كل انواع الضغوطات وانه سيتوصل لا محالة إلى الكشف كل الحقائق فيها .
متهم وحيد لم يحضر
حضر داخل قاعة الجلسة أمس كل المتهمين بحالة ايقاف ( 9 ) بمن فيهم وزيرا الداخلية السابقان رفيق الحاج قاسم وأحمد فريعة ومدير الامن الرئاسي سابقا علي السرياطي ومسؤولون أمنيون سابقون على غرار عادل التويري وجلال بودريقة و ..كما حضر كل المتهمين بحالة سراح ( 12 ) على غرارمنصف العجيمي ومنصف كريفة باستثناء المتهم الذهبي العابدي الذي صدرت في شأنه بطاقة جلب في جلسة فارطة لكن اتضح انه مقيم بالمستشفى بعد أن خضع مؤخرا لعملية زرع كُلية، إضافة إلى الرئيس المخلوع المُحال بحالة فرار.
وطوال الجلسة الصباحية ، تم الاستماع للمرافعات الشكلية لمحاميي المتهمين ومحاميي المتضررين فتقدموا بعدة طلبات وملاحظات عامة تهم اجراءات القضية وسماع الشهود في حين خصصت الجلسة المسائية للاستماع لشهادات الشهود ولاجراء مكافحات بينهم وبين بعض المتهمين كما وجه محامو المتضررين اسئلتهم الى المتهمين.
احترام متبادل
قضى محاميا الطرفين وقتا طويلا في التعبير عن احترامهما لبعضهما البعض ولهيئة المحكمة، وفي تبادل عبارات التقدير التي يكنها كل منهم للآخر وفي تبادل الشكر لكل المجهودات المبذولة من كل طرف. وقال رئيس هيئة المحكمة إن المحكمة لا سلطان عليها سوى القانون بينما قال المحامون إن ما يطغى عليهم أحيانا من حماس أثناء المرافعات يدخل في طبيعة مهنتهم وليست الغاية منه استفزاز الطرف الآخر أو عدم احترام المحكمة.
وقد أثار ذلك تساؤلات عديدة لدى الاعلاميين خاصة انه منذ انطلاق الجلسة الاولى لهذه القضية في نوفمبر الماضي تميزت الاجواء بين محاميي الطرفين بالحماس واحيانا بالاحتقان وبحصول تجاذبات حادة بينهم . ويبدو انه تم التوصل الى صيغة تفاهم بينهم قبل انطلاق جلسة أمس تقضي بان يلتزم كل منهم باحترام زميله وباحترام هيئة المحكمة وان يكتفي كل منهم داخل القاعة باتمام عمله كمحام يدافع عن منوبه اعتمادا على القانون فقط ودون المس من هيبة الزملاء او المحكمة.
رفض مطالب الافراج
تقدم محام بمطلب شفاهي للإفراج عن موكليه المتهمين عادل التويري ولطفي الزواوي ، لكن النيابة العمومية رفضت المطلب. وتقدم محام بمطلب افراج شفاهي عن المتهم جلال بودريقة لكن المحكمة رفضته أيضا. وقال محاميه ان التهمة الموجهة لموكله هي ملازمة الصمت – بوصفه مسؤولا امنيا – عند اطلاق الرصاص على المتهمين، وهي تهمة لا تستقيم في نظره لانه حتى النيابة العمومية لازمت الصمت وكذلك فعل مسؤولون أمنيون آخرون فلماذا لم يقع ايقافهم ايضا. وتقدم محامي المتهمة ربح السماري ( مساعد رئيس مركز تالة سابقا) بمطلب افراج عنها باعتبارها المراة الوحيدة من ضمن 22 متهما فضلا عن ان التهمة الموجهة اليها هي الاعتداء بالعنف الصادر عن موظف عمومي في حين يوجد في هذه القضية متهمون بالقتل العمد مع سبق الاضمار لكنهم بحالة سراح وهو ما لا يحقق مبدأ العدل والمساواة امام القضاء . واضاف المحامي ان موكلته هي العائل الوحيد لوالديها وان حالتهما الصحية والاجتماعية صعبة تحتاج إلى الرعاية . وقد فوضت النيابة العمومية لهيئة المحكمة النظر في مطلب الافراج عن هذه المتهمة .
بين العجيمي و بالطيبي
انطلقت الجلسة باجراء مكافحة بين المتهمين منصف العجيمي وبشير بالطيبي. وكان العجيمي ومتهمون آخرون قد ذكروا في جلسات سابقة ان بالطيبي هو الاقرب الى اطلاق النار على متظاهري تالة ايام الثورة وهو ما ادى الى وفاة الشهيد وجدي السائحي . غير ان بالطيبي اعتبر ذلك في الجلسات السابقة مكيدة من العجيمي وبعض المحسوبين عليه . واثناء المكافحة تمسك كل منهما بموقفه حيث قال العجيمي ان بالطيبي اعلمه بنفسه انه اطلق النار على المتظاهرين لانهم كانوا ينوون افتكاك سلاحه .لكن بالطيبي اقسم انه لم يكلم العجيمي بتاتا آنذاك (يوم سقوط الشهيد وجدي السائحي) .
واضاف بالطيبي انه ليس من باب الصدفة ان 3 من شهداء تالة بمن فيهم السائحي قُتلوا بسلاح من نوع « فالو 762 « وهذا السلاح وذخيرته لا يحملهما الا اشخاص معينيون داخل سيارة (عادة من القيادات ) بينما هو كان يحمل سلاحا من نوع شطاير وليست له سيارة وهذا مدون بدفاتر رسمية، علما ان عملية قتل الشهيد السائحي حصلت حسب الشهود عن طريق شخص نزل من سيارة . واستظهر بالطيبي لرئيس المحكمة بدراسة حول الاسلحة لتاكيد كلامه وقد تدخل العجيمي وقال ان بالطيبي استعمل سيارة ادارية خلال تلك الاحداث كانت رابضة امام مركز الامن بتالة. ثم تدخل متهم آخر وقال انه لم ير بالطيبي يطلق النار لكن رآه فقط جاثما على ركبة ونصف لتخويف المتظاهرين . وأضاف بالطيبي أنه يستغرب من تعمد العجيمي التشهير به في تالة طيلة الاشهر الماضية وتحريض عائلات الشهداء والجرحى على الانتقام منه غير عابئ بروابط الزمالة التي بينهما.
انفعال
توجه احد محاميي المتضررين بسؤال للمنصف العجيمي حول عدم كتابة تقرير اداري في ما حصل لوزارة الداخلية طيلة العام الذي قضاه على راس الادارة العامة لوحدات التدخل فأجاب العجيمي بانه كتب فعلا تقريرا وارسله إلى الوزير (حبيب الصيد) وهنا تساءل محامون لماذا لم يذكر العجيمي ذلك في اقواله سابقا ولماذا لم يتعاون حبيب الصيد مع المحكمة العسكرية لمدها بهذا التقرير.
وقد تحدث العجيمي بلهجة حادة لكن فيها تعبير منه عن تالمه لما يحصل له ولعائلته وابنائه جراء هذه القضية مدعيا انه بريء من اطلاق النار وقال انه لم يتصور ان يجد نفسه في موقف كهذا وانه مستعد اليوم للاجابة عن كل تساؤلات المحامين وعائلات الشهداء والجرحى لانه مل الابحاث في هذه القضية.
بين الشهود والعجيمي
في مكافحة ساخنة بينه وبين المتهم منصف العجيمي ، قال الشاهد عصام العمري وهو شقيق الشهيد محمد العمري انه لم ير بالطيبي يطلق النار على المتظاهرين لكن في المقابل راى العجيمي يقوم بذلك وهو جاثم على ركبتيه وأدلى بأوصاف ملابسه (سروال دجين وفرملة..) وادى ذلك الى قتل وجدي السائحي. واضاف انه شاهد ايضا المتهم خالد مرزوق جاثما على ركبتيه قرب مكان استشهاد وجدي وبيده سلاح لكن كان في زاوية مغلقة وبالتالي لم يطلق النار وان من قام بذلك هو العجيمي. لكن العجيمي جابهه بانه كان طيلة تواجده بتالة يرتدي زيه النظامي ويعلق فوقه رتبته (عقيد) ويمنع عليه بصفته ضابطا ساميا ارتداء الدجين اثناء العمل او اي زي مدني وهو ما اكده للمحكمة متهمون آخرون من الضباط السامين . وطالب العجيمي تبعا لذلك بتتبع الشاهد المذكور من اجل الشهادة زورا خاصة ان هذا الشاهد سبق ان تحامل عليه على حد قوله على موقع فايسبوك وشهر به دون موجب واتهمه ظلما بقتل شقيقه يوم 8 جانفي والحال انه لم يكن موجودا آنذاك بتالة بينما نفى الشاهد عصام العمري ذلك وقال ان ما حصل بفايسبوك امر آخر ولم يتهمه بقتل اخيه.
غرز وليس ضمادة
من جهته اكد الشاهد لطفي حمدي ما قاله عصام حول ملابس منصف العجيمي واضاف انه كان يضع ضمادة على شفته العليا وكان يعرج عند المشي وانه نزل من سيارة ال«بوب» واطلق النار على المتظاهرين . فأجاب العجيمي انه لم يكن يحمل ضمادة بل غرز على شاربه لا تزال آثارها إلى اليوم وانه من الناحية الطبية لا يمكن وضع ضمادة على الغرز. واتهمه ايضا بالشهادة زورا.
اسئلة ..وتمسك
توجه محامو المتضررين باسئلة دقيقة أحرجت المتهمين على غرار رفيق الحاج قاسم وعلي السرياطي وخالد بن سعيد ومنصف كريفة. وقد تمسك كل المتهمين بالاقوال المسجلة عليهم سابقا.