رفعت العديد من الصفحات التونسية يوم أمس صورة المناضل زهير اليحياوي أول وأشهر مناضلي الانترنيت ضد نظام القمع في تونس والذي توفته المنية يوم 13 مارس 2005 بعد مرض غامض يرجح أنه نتيجة التعذيب الفظيع الذي تعرض له طيلة عام ونصف من السجن.
وكانت عدة صفحات تونسية قد دعت منذ أيام إلى تخليد ذكرى زهير اليحياوي الذي يعتبره الكثير من الناشطين الحقوقيين شهيد الحرية في تونس، بصفته رمز المقاومة السلمية ضد القمع وكبت الحريات الذي عاشه التونسيون طويلا تحت نظام بن علي، كما طالب عدة ناشطين باعتماد يوم وفاته يوما لحرية التعبير في تونس ومناسبة سنوية لتدعيم الحريات العامة.
بالتوازي مع ذلك، تسربت معلومات كثيرة منذ أيام حول قائمة من المدونين التونسيين سيتم استدعاؤهم إلى قصر الرئاسة وتكريمهم لمساهمتهم في النضال من أجل الحرية عبر شبكات المواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية. غير أن عادة التونسيين الشهيرة في العراك والخلاف فتحت باب النقاش حول أسماء المدونين الجديرين بالتكريم، وانقسمت المواقف إلى القسمين التقليديين في المواقع والصفحات التونسية: اليسار ومن معه من جهة والنهضة وأنصارها من جهة أخرى، ورأى كل طرف أنه الأجدر بالتكريم وأن الطرف الآخر لم يكن له وجود في ساحة النضال في الشبكات والمواقع الاجتماعية.
وبعيدا عن الصراع التقليدي، تطوع ناشطون حقوقيون بتذكير الجيل الجديد من الناشطين في الموقع الاجتماعي بشخصية الشهيد زهير اليحياوي ونضاله، المولود عام 1967، والحاصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد، والعاطل عن العمل رغم ذلك. في خريف 2001، أطلق زهير اليحياوي المعروف بكنية «التونسي» مدونة tunezine الناقدة لنظام بن علي بلغة ساخرة ومرة. وعندما نظم بن علي انتخاباته الهزلية لولايته الرابعة، أطلق زهير اليحياوي استفتاءه الشهير في مدونته: «هل تونس جمهورية أم مملكة أم حديقة حيوانات أم سجن ؟» والتي لقيت رواجا كبيرا في العالم.
كما اشتهر زهير بنشر رسالة عمه القاضي الفاضل المختار اليحياوي التي يحتج فيها على وضع القضاء الخاضع للنظام، فقد بن علي صوابه، فأطلق في أثره عشرات المحققين في الانترنيت حتى تمكنوا من كشف هويته وعنوانه في بن عروس حيث داهمه فريق من المحققين وقدموه بعد أيام مريرة من التعذيب إلى القضاء في محاكمة تعتبر فضيحة بكل مقاييس القانون والحقوق العامة. وقضى زهير اليحياوي ثمانية عشر شهراً من الاعتقال وثلاثة إضرابات عن الطعام، قبل أن يغادر السجن بعد أن طالبت عشرات المنظمات الدولية بالإفراج عنه، لكن التعذيب الفظيع الذي تعرض له لم يترك له مجالا طويلا من الحياة، فتوفي في مثل يوم أمس، 13 مارس 2005 وقد ظل زهير اليحياوي طيلة أعوام رمزا من رموز النضال من أجل الحرية، والحقوق الإنسانية في تونس، ووحد وراءه آلاف التونسيين الذين أخذوا عنه المشعل مستنيرين بشجاعته وجرأته في نقد الظلم والاضطهاد حتى انهار نظام به علي، ثمرة جهود الشعب التونسي وأعلن عن عصر جديد لن يضطهد فيه أحد من أجل أفكاره.
والغريب، أن زهير اليحياوي الذي وحد الناشطين التونسيين في الانترنيت، قد تحول إلى موضوع خلاف بينهم، كثيرون أعلنوا صراحة رفضهم المساهمة في هذا التكريم لاختلافهم مع رئيس الدولة، وطالبوا بتخليه عن الإشراف عن هذا اليوم، كما أعلن ناشطون يساريون رفضهم المساهمة في هذا اليوم رفضا منهم «لتكريم الخوانجية» في إشارة إلى بعض الأسماء المعروفة بقربها من النهضة، ويرد ناشطون نهضويون باتهام زملاء لهم من اليسار بأنهم من «أيام فرنسا، ليذهبوا إلى فرنسا لتكرمهم». وتكتب ناشطة حقوقية غاضبة من هذا الانقسام: «لم يكن لزهير اليحياوي أي انتماء سياسي، كان تونسيا أصيلا مناضلا من أجل الحقوق العامة التي ناضلنا لأجلها جميعا، فلا تزعجوه في قبره على الأقل».