عجب عجاب...أن يمر خبر سقوط عشرات الشهداء في دمشق وحلب بتفجيرات انتحارية مرورا هامشيا ثانويا... تتقاذفه محطات الخبر العاجل وقنوات البث المباشر وفضائيات الربيع العربي غير الخليجي... بعنجهية وصلف وكأن القتلى ليسوا بقتلى وكأن الدماء المراقة في الشام لا ترقى لدماء الإنسانية والبشرية...
عجب عجاب... أن تبكي منتظمات العرب ضحايا المدرسة اليهودية في تولوز وأن ينتفض العالم نواحا ودموعا على 4 اشخاص قضوا في فرنسا... وان يتجاهل العالم مئات الشهداء بفعل الإرهاب وبيد التخريب في قلعة العروبة وعروس المقاومة والممانعة..
عجب عجاب... هذا التفريق المقيت وهذا التمييز الهجين بين ضحايا بشار وبين شهداء أعداء بشار... بين انتهاكات الجيش السوري وبين الفظائع المقترفة باسم الثورة والانتفاضة الشعبية... بإضمار خبيث , يراد لكل متابع أن يفرق بين الدم السوري الواحد وبين الشعب العربي الواحد وبين الإنسان السوري الواحد وبين البلد الواحد.. فيتحول بذلك فعل الحراك الشعبي من فعل جامع موحّد إلى فعل مشرذم في ذات الوطن الواحد..
الغريب أن تفجيرات دمشق وحلب... تلت بطريقة «عفوية» – بالتأكيد – دعوات خليجية إلى تسليح الشعب السوري وبتعهد كامل من طرف ذات الجهات بإنفاق جزء من عائدات النفط لإسقاط الأسد تلقائيا أو إلزاميا...
الأغرب أن تفجيرات حلب الشهباء... أعقبت بث قنوات «النفط والعقال» لخبر حصول تفجيرات في حلب بساعات قليلة..
أما المعطى الأكثر غرابة فيكمن في التحول الدراماتيكي من فضاء العمل للوصول إلى حل سياسي يرضي كافة الأطراف في سوريا إلى مجال خيار تسليح المعارضة المسلحة أصلا... وبالتالي الدفع نحو الحرب الأهلية التي لن تؤدي إلى تآكل كافة الأطراف وإضعافها وإنما إلى سقوط الدولة والوطن برمته..
بهذا يصبح خيار تسليح الشعب السوري – بالتأكيد ليس المقصود بالشعب السوري الملايين التي خرجت مناصرة لمسيرة الإصلاح في سوريا – حلقة من مسلسل إسقاط النظام عبر إسقاط الدولة والوطن..
وهو خيار يتم الإلتجاء إليه بعد سقوط المخططات السبع لإسقاط نظام بشار الأسد وهي :
الخيار الإعلامي عبر التجييش والتحريض على النظام من خلال وسائل دعائية باتت معروفة وقد ارتدّ هذا الخيار على تلك القنوات حيث فقدت جزءا من مصداقيتها فضلا عن انسحاب عدد كبير من كوادرها الإعلامية..
الخيار الأمني متمثلا في بنغازي سوريا وهي «حمص» والتي اختيرت لعدة أسباب من بينها التصاقها بالحدود اللبنانية, إضافة الى الوزن الطائفي السني إلا أن هذا الخيار كشف حجم التدخل الأجنبي في «الثورة السورية» ومدى ارتهانها بثلاثي «الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية»..
خيار الانقلاب العسكري أو السياسي والذي تكسر على صخرة الكلفة البشرية التي يدفعها الجيش السوري يوميا..
خيار العقوبات الاقتصادية التي – أي العقوبات – باتت ورقة في يد النظام ليحتج بها على المؤامرة التي تستهدفه والساعية إلى تركيع الشعب ودفعه إلى التنازل عن استحقاق المقاومة..
خيار المظاهرات المليونية الرافضة للنظام , وقد فشل ل3 أسباب :
أ – للمقاربة الأمنية للنظام..
ب – وجود شعبية معتبرة جدا لبشار الأسد وليس للنظام..
ج - قفز سقف المطالب غير المدروس من الإصلاح إلى اسقاط النظام إلى محاكمة رموز الدولة والذي فرض على أصحاب هذه الدعوات قبول كافة التحالفات حتى مع الشيطان مما أدى إلى سقوط صورة «الثورة» ورمزية الثوار في عيون الجمهور أو ما يطلق عليه ب«الغالبية الصامتة»..
خيار «ليبيا 2 » – اي تدخل الناتو وقد تعطل ليس لعدم رغبة الأطلسي في إراقة مزيد من الدماء العربية وإنما لكلفة هذا التدخل نظرا للتحالف العضوي المعلن ( حزب الله – سوريا – إيران ) والتحالف غير المعلن ( لبنان + سوريا + إيران + العراق + فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية إلا «حماس» ) , إضافة إلى الفيتو الروسي الصيني المزدوج الذي جاء كنتيجة لهذا التكتل وليس قبله..
خيار العزلة الدولية.... وكان بالإمكان له أن ينجح لو أن سوريا رهنت نفسها داخل الفضاء الأوروبي أو الخليجي أو الأمريكي الصهيوني التركي ولكنها صنعت لنفسها مجالا جغرافيا واستراتيجيا تعيش فيه وبه أيضا وهو مجال خطي يبدأ من بيكين وينتهي في السواحل السورية لبحر المتوسط..
نتيجة لكل ما سبق , يتحول خيار الاستنزاف الدموي المقيت لسوريا – شعبا وقيادة وجيشا وأمنا – الورقة المفضلة للأطراف الدولية التي رهنت مستقبلها السياسي ومصالحها الاقتصادية وحتى الديبلوماسية مع تل أبيب ب«حتمية سقوط الاسد»..
ويصبح هنا تسليح المعارضة والأفراد أفضل البدائل الساعية إلى إسقاط النظام عبر تفتيت الدولة وهو افضل البدائل – للمتآمرين - لعدة أسباب :
عدم مرور قرار تسليح «الشعب السوري» بمجلس الأمن..
إمكانية توكيله إلى تجار أسلحة ومخدرات وعصابات مافيا..
تحول السلاح إلى وسيلة للدفاع عن الأقلية وعن الهوية الاثنية في بلد يحتضن عشرات الطوائف..
جرّ الدولة لأتون الحرب الأهلية والطائفية المقيتة وهو ما سيدر على «ثلاثية الصهيونية والإمبريالية والرجعية» عدة فوائد منها : إضعاف جبهة المقاومة + إفقاد دمشق دورها الريادي عبر إلهائها في ملفاتها الداخلية + الحيلولة دون إعادة بناء سوريا من جديد وبالتالي إحداث عراق آخر بأقل التكاليف..
هنا يتنزل استحقاق وطني قومي بامتياز... فقبول تسليح المعارضة أو الشعب بأموال النفط سيؤدي إلى فقدان الوطن والمنطقة برمتها وتفتيت الهوية وتمزيق الحضن الجامع للكينونة السورية وضرب اللبنة العربية الأولى والأخيرة ايضا..
عجب عجاب... فحسب معرفتنا لا توجد في سوريا قواعد عسكرية أمريكية لكي يتسلح الشعب السوري ضدها... ولا توجد في الشام أيضا أساطيل ومدمرات حربية أمريكية وبريطانية حتى يحمي الشعب نفسه منها... ولا توجد في أرض العروبة أيضا سفارات ومصالح صهيونية ومكاتب علاقات مع تل ابيب حتى يحصّن الشعب من يوم «تغوّل» الموساد... سوريا لم تراقص يوما بالسيوف ولا بالكؤوس ولم تستقبل جورج بوش بالأحضان ولا كوندوليزا رايس ولا تسيبي ليفني بالقبل حتى تخشى انقلاب الصديق والرفيق عليها... فلم التسلح والتسليح إذن ؟
يادعاة السلاح... سلّحوا كما تشاؤون... سلحوا كما ترغبون... سلحوا أينما تريدون... فسوريا ستتسلح بسلاح الإصلاح وستصنع من دماء أبنائها المستباح قاطرة للولادة من جديد.. أما أنتم فسيكفيكم خطاب الأسد عام 2006....