لا يبدو أن ذكرى يوم الأرض التي تمر اليوم، ستكون مختلفة عن الأعوام السابقة، فقد تمّ تدجين العرب إلى الحد الذي أصبحت مثل هذه المناسبات القومية التاريخية غير قادرة على تحريكهم للقيام بما يتناسب مع أهميتها ورمزيتها الفائقة...
الاحتفال بهذا اليوم لن يتجاوز، كما هو معتاد، بعض الأنشطة والتظاهرات وستصدر البيانات في ذكراه طبعاً... لكن كل ذلك بات سلوكاً نمطياً باهتاً قد لا تنقصه الكلمات الطناّنة والشعارات الفضفاضة ولكن تنقصه روح الحياة وصدقية العقل.
فلقد ملّ الناس احتفالات النفاق والدجل التي لا هدف لها إلاّ التغطية عن العجز والقصور، وباتوا يلعنون الكلام الأجوف الذي يثير السخرية والغضب أكثر ممّا يثير الحميّة ويستنهض النفوس، وانصرفوا محبطين عن يوم الأرض وعن غيره من الأيام الخالدة في تاريخ الأمّة؛ لأنّه ببساطة لم يعدْ يومهم ولم يعد مناسبة للثورة في سبيل القضيّة التي كانت يوما ما قضيتهم الأولى، فإذا بالنظام الرسمي العربي التابع، بمن فيه فلسطينيو التخاذل والاستسلام المهين، يفرغها من تلك الطاقة الروحية الهائلة التي كانت تحرّك الجماهير العربية على امتداد الوطن الكبير، وتجعل من فلسطين اتجاههم الذي لا يتغيّر...
فلسطين المقدسة التي كان الدفاع عن أرضها هو الواجب الأكبر الذي يتداخل فيه الوطني بالقومي بالديني في تركيب عجيب كان يدفع الشباب العربي للتسابق إليها والاستشهاد في سبيل تحريرها، هي منذ عقدين من الزمن أسيرة المبادرة العربية البائسة التي مازال العرب متمسكين بها مع أنها خيانة موصوفة بما تضمنته من تنازل عن الأرض التاريخية، ومع أن الكيان الصهيوني قد أهان أصحابها عندما رفضها وأعلن أنّه مستمر في تنفيذ مخططاته الاستيطانية والتهويدية حتى آخر شبر من أرض فلسطين.
وثمّة ما هو أدهى وأمرّ فبعد أن قطعت محاولة تصفية القضيّة الفلسطينية وجدانيا من خلال تصفيتها سياسياً شوطاً كبيراً، ها هو التحالف الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي يتفرّغ للقضاء على آخر معاقل المقاومة العربية للإمبريالية والصهيونية، ها هو الجهاد المقدّس، الذي لم يكن يوماً ضدّ أمريكا وإسرائيل مغتصبة فلسطين ومهوّدة القدس ومحرقة الأقصى، ها هو يُعلن من قبل عرب النفط وشيوخهم المأجورين وتمارسه أدواتهم الإرهابية قتلاً وتخريباً ضد سورية..!!
وماذا سيبقى من يوم الأرض إذا كان ما بقي من أرض فلسطين المحتلّة يقدّم بمباركة حكام الخليج إلى إسرائيل على طبق من ذهب، وإذا كان الفلسطينيون الذين لم يعد بينهم من يقدر على المجاهرة بالمطالبة بفلسطين التاريخية كاملة إلاّ من رحم ربّي، غارقون في خلافاتهم وحساباتهم وصراعاتهم السلطوية البائسة...وماذا سيبقى إذا كانت سورية. سورية أم فلسطين تتعرّض لما تتعرّض له والفلسطينيون يقفون إمّا مع المؤامرة أو على الحياد وأي حياد..!!