تتحول مدينة صفاقس خلال نهاية هذا الشهر إلى مدار ثقافي باحتضانها الدورة السابعة للأيام الشعرية محمد البقلوطي التي تنظمها جمعية الدراسات الأدبية بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب التونسيين والمندوبية الجهوية للثقافة أيام 20 و21 و22 أفريل الجاري.
الدورة تحمل عنوان «السردي في الشعر التونسي المعاصر». ويتضمن برنامج التظاهرة معرضا يؤرخ لمسيرة الراحل محمد البقلوطي، وسهرة موسيقية شعرية خاصة بالقصائد الملحنة للشاعر، هذا بالإضافة إلى ثلاث جلسات شعرية ستؤثثها جملة من الأصوات الشعرية من جهة صفاقس ومن خارجها، وخمس جلسات علمية ومائدة مستديرة تتمحور حول «السردي في الشعر التونسي المعاصر».
وقد جاء في الورقة العلمية للتظاهرة أن العلاقة بين «الشعري» و«السردي» تتنزل في أفق ملتبس تشتبه فيه السبل وتشتبك المسالك، فإذا كان التنظير النقدي منشغلا برسم الحدود بين دوائر الأجناس الأدبية وترسيخ مبدإ الفصل والتغاير بين الأنواع الخطابية المختلفة، فإن الممارسة الإبداعية تسعى جاهدة إلى دكّ الحواجز وتقويض الحدود وترسيخ مبدإ المزج والتفاعل بين الأجناس والأنواع...
وفي ضوء هذه العلاقة الإشكالية بين أجناس الخطاب وأنماط القول وضروب التعبير تنتظم هذه الدورة من «الأيام الشعرية محمد البقلوطي». وقد وقع الاختيار على هذا الموضوع رغم ما راج في الخطاب النقدي قديمه وحديثه(أوأغلب هذا الحديث) من فصل حاد بين الشعر والسرد على اعتبار أنّ السردَ موضوعيٌّ، دراميٌّ، يشتغل كنائيًّا- وفق مبدإ المجاورة - وتهيمن عليه الوظيفةُ الإحاليةُ أوالمرجعيةُ، في حين أن الشعرَ ذاتيٌّ، غنائيٌّ، يشتغل استعاريًّا - وفق مبدإ المشابهة- وتطغى عليه الوظيفةُ الجماليةُ أوالإنشائيةُ؟
وعلى هذا الأساس فقد يخشى على الشعر- فيما هويُقحم السرد في نسيجه البنائي- أن يفقد ما به يتأسس كيانُه الإنشائيُّ: إيقاعَهُ وبلاغتَه وأخيلتَه؟ إذ كيف يتمّ التفاعل بين السرد بخطّيته واسترساله وبنيته الحدثيّة، والشعر بتعاوده وتكراريته وبنيته التصويرية؟... أفلا يهدّد المزج بين الجنسين في ممارسة خطابية واحدة سرديّة السرد وشعريّة الشعرعلى السواء؟... ولكن متى كان الشعر خاليا من «السرديّة» وفي أيّ وقت كان السرد خلوا من «الشعرية»؟ ألم ينشأ القصص لدى اليونان شعرا فكانت الملاحم سردا لوقائع بطولية مصوغا في إهاب شعري؟ ألم يعرف الأدب العربي القديم «القصص الشعري» في غزليات عمر وخمريات أبي نواس وحماسيات أبي تمام وغيرهم...؟
من هذه التساؤلات تنبع جملة من القضايا هي مثار لأسئلة يمكن اعتبارها محاور بحث أساسية لعل أبرزها كيف يستدعي الخطاب الشعريُّ السرديَّ ويسترفدُ جماليته المخصوصة وإنشائيته المميزة؟ وما هي طرائقُ اشتغال المكون السردي وهيآت حضوره في نسيج القول الشعريّ؟ وأيّةُ وظائفَ يمكن أن ينهض بها السردُ في تشكيل الخطاب الشعري وصياغة جماليته؟ وكيف يمكن أن تتحقق المواءمة والمصالحة بين جنسين من القول غالبا ما عُرّف أحدهما في تقابله مع الثاني؟.