من يزور مدينة دوز في الأيام الأخيرة ،سيجد نفسه مسكونا بالألوان دون أن يقصد ذلك أن الجدارية الكبرى التي تتصدر واجهة مركز الشرطة القديم ودار الحزب المنحل تمنح الزائر أنطباعا ساحرا بالألوان.
في مدخل مدينة دوز وفي مواجهة المعتمدية التي تم أنشاؤها سنة 1956 تنتصب دار التجمع ومركز الشرطة بكل ما تحملناه من دلالات رمزية قبل 14 جانفي وقد جرى تخريبهما مثلما حدث في معظم المدن والقرى التونسية أيام الثورة للتعبير عن الأحتجاج والغضب على سنوات القمع والتهميش وقد اشتد الغضب الشعبي خاصة بعد سقوط شهيدين وسط المدينة على مقربة من مركز الشرطة ودار التجمع صباح 12 جانفي 2011 وهما الدكتور حاتم بالطاهر والشاب رياض بن عون .
هذا المكان الذي ارتبط في الذاكرة الجماعية للمدينة بالقمع والدماء واغتيال الأبرياء برصاص وطني في مدينة قدمت عشرات الشهداء من أجل استقلال لم تنل منه شيئا حوله الفنان التشكيلي نورالدين بن عمرالأستاذ في المعهد العالي للحرف والفنون بسليانة مع مجموعة من الفنانين من أعضاء جمعية دوز للفن التشكيلي الى لوحة فنية ساحرة .
ابراهيم بلعربي وشرف الدين بن علي وصالح الصويعي وعماد الشعينبي تعاونوا على إنجاز هذه الجدارية الضخمة بدعم من بلدية دوز فقط . هذا المشروع الفني البديع يؤكد الطاقات التي تعاني النسيان في المدن الداخلية دون أن تجد السند الكافي وقد حرمت الجمعية في غياب الدعم من تنظيم مهرجان الفنون التشكيلية الذي يلائم خصوصيات المدينة السياحية وذات الطابع الصحراوي.
ففي غياب الدعم وهذا غير مبرر بالمرة خاصة بعد14 جانفي لم ييأس الفنانون التشكيليون في مدينة دوز بل سعوا الى هذا الأنجاز الذي تحول بسرعة الى معلم مثير للانتباه والاهتمام، أصابع الفنانين وخيال نورالدين بن عمر حولت الجدران السوداء بفعل الحريق وذات السمعة السيئة لثقل سنوات الاستبداد الى لوحة فنية تسر الناظر التقت فيها الحروفية العربية بسحر الألوان في مشهد تشكيلي متناغم وقد أبدى وزير الثقافة السيد مهدي مبروك اعجابه بهذه التجربة عندما زار رواق 14 جانفي .
هذه التجربة يمكن تعميمها سواء في مدينة دوز المعروفة بافتتان أهلها بالقرأن الكريم والخط العربي أو في مدن أخرى لتتحول الجدران الصامتة الى لوحات بديعة تزرع البهجة في العين والقلب. جمعية الفن التشكيلي بدوز، تحفر في الصمت وتعمل على إنجاز معنى تشكيلي في غياب تام لأي دعم فهل تنتبه الوزارة الى هذه الجمعية الصغيرة في إمكانياتها المالية والكبيرة في روحها وطموحاتها .؟