عرفت الساحة السياسيّة خلال الأسبوع المنقضي جدلا واسعا على خلفية أحداث سارع الحبيب بورقيبة وما رافقها من عنف وعنف مضاد، ومن المؤكّد أنّ الفوضى التي حدثت بين مختلف الفاعلين السياسيين اختلافا وتقييما ونقدا ، وفي الشارع أيضا، قد فتحت الباب لاستنتاجات هامّة والبلاد تعيش مرحلة مخاضا نحو تثبيت أسس الديمقراطيّة. إنّ جلسة المساءلة للسيّد وزير الداخلية في رحاب المجلس الوطني التأسيسي تُعدّ بكلّ المقاييس تقليدا ديمقراطيّا من شأنه أن يُُعزّز الثقة بأنّ السلطة لن يكون بإمكانها أن تفعل ما تشاء وعليها في كلّ الحالات أن تخضع إلى سلطة مُضادة عنوانها المساءلة وضرورة تقديم البيانات اللازمة وكشف جزء من الحقيقة لإنارة الرأي العام ووضع الأمور في نصابها وتجنيب البلاد المزيد من التوترات والتجاذبات. كما أنّ إقدام الحكومة على إجراء تعديل حول صيغة قرار وزارة الداخلية حول التظاهر بأهمّ شارع في العاصمة جاء ليؤكّد أنّ السلطة الجديدة تتفاعل بشكل إيجابي مع تغيّرات الواقع وهي تمتلك شجاعة للتعديل وقدرة على التعاطي السريع مع المستجدات بعيدا عن منطق الآحاديّة أو الهيمنة أو الانفراد في صياغة وتقرير كلّ ما له صلة بالشأن العام. ولقد عكست الأحداث التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة حالة من الإجماع العام بين مختلف الأطياف السياسيّة ومكوّنات المجتمع المدني رفضا للعنف أيّا كان مصدره وتأكيدا على أهميّة تعميق الممارسة الديمقراطيّة والإيمان بالرأي المُخالف بعيدا عن كلّ أنواع الإقصاء أو التهميش أو الاستثناء والتوجّه الجماعي نحو حماية الحريات وحقوق الإنسان ومنها الحق في التظاهر وحريّة التعبير. وعلى الرغم من بعض التوتّر الّذي ساد خطابات بعض السياسيين والحقوقيين والّذي ترافق مع سيل من الاتهامات والاتهامات المضادة فإنّ إقرار بعث لجنة مستقلة حول الأحداث التي جرت يُعدّ في حدّ ذاته شكلا حضاريّا وديمقراطيّا من شأنه أن يقدّم المزيد من الحقائق والتوضيحات التي ستُساهم لا فقط في الوقوف عند أسباب ما جرى من تبادل للعنف المادي واللفظي بين المتظاهرين وقوات الأمن وتدقيق في مسؤوليّة كلّ الأطراف بل ستُمهّد الطريق من أجل وضع توافقات بين الجميع بخصوص التظاهر وصيغه الممكنة في ظلّ الهدوء والمسؤوليّة وبعيدا عن الفوضى. «رُبّ ضارة نافعة» اذن ، فلا يخلو مسار الانتقال الديمقراطي من كذا تجاوزات أو أخطاء من السلطة أو من المعارضة على حدّ السواء ، والأساس اليوم أن لا يتكّرّر ما حدث يوم 9 أفريل مرّة ثانية وإلاّ عندها ستكون الضربة القاصمة لهذا الطرف أو ذاك.