في لقاء مع السيد محمد بن عبد الله بنسالم الممثل المنتخب عن القضاء العدلي في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ورئيس دائرة بمحكمة التعقيب سابقا أكد على ضرورة التعجيل بإصلاح القضاء وتطهيره كما تحدث عن بطء في قضايا الفساد. كيف ترون تكوين المجلس الأعلى للقضاء وهل سيكون حسب نظركم عبر تعيين أعضائه من قبل وزير العدل أم عبر الانتخابات؟ يتعين التطبيق الأمين للفقرة الأولى من الفصل 22 الوارد بالقانون عدد 6 المؤرخ في 16122011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وهي تنص على مايلي : «تمارس السلطة القضائية صلاحياتها باستقلالية تامة». إذن تقتضي أحكام هذه الفقرة استقلالية تامة للقضاة عن السلطة التنفيذية، فليس لهذه الأخيرة أن تعيّن القضاة ولا أن تقترح تعيينهم. وتنص الفقرة الثانية من الفصل22 المذكور على أنه «بعد التشاور مع القضاة يصدر المجلس الوطني التأسيسي قانونا أساسيا ينشئ بموجبه هيئة وقتية ممثلة يحدد تركيبتها وصلاحياتها وآليات تكوينها للإشراف على القضاء العدلي تحل محل المجلس الأعلى للقضاء». تقتضي أحكام هذه الفقرة ثلاثة عناصر : 1 تحديد آليات معينة لتكوين هذه الهيئة الوقتية الممثلة للقضاء 2 ضبط تركيبتها من حيث عدد القضاة الأعضاء حسب رتبتهم 3 تحديد صلاحياتها من حيث أنها تحل محل المجلس الأعلى للقضاء في تركيز سلطة قضائية مستقلة تكرس أهداف الثورة من حيث إصلاحها واستبعاد عناصر الانحراف منها. إن هذه الهيئة الوقتية تمكننا من تجاوز الصراع القائم بين جمعية القضاة ونقابة القضاة حتى لا يتعطل اتخاذ القرارات ويمكن للأغلبية الصامتة أن تتولى دورها في حسم هذا الصراع، خاصة وأنه تبين بصورة قاطعة من خلال مؤتمري كل من جمعية القضاة ونقابة القضاة أن نسبة تمثيله كل واحدة منهما لا تتجاوز الربع (4/1) باعتبار المشاركين الفاعلين فيهما وتكون الأغلبية الصامتة المغيبة تتجاوز نصف كامل القضاة إذن أرى أن تعين جمعية القضاة ربع أعضاء الهيئة الوقتية وتعين نقابة القضاة ربعا كذلك بينما ينتخب كافة القضاة بقية الأعضاء. هل تتصورون مشاركة كل القضاة في عملية انتخاب الهيئة الوقتية أم يجب قبل ذلك تنقية القضاة من المشبوهين في التعامل مع النظام السابق؟ هذا السؤال يذكرني بالأشهر الأولى بعد الثورة كنا نشاهد ونسمع في التلفزة التونسية السيد أحمد الرحموني بوصفه رئيس القضاة يندد بالقضاة الفاسدين كما لاحظ السيد عبد الرؤوف العيادي أن ما لا يقل عن 150 قاضيا يستحقون الإزاحة من خطة القضاء لأنهم لوثوها وذكرت السيدة سهام بن سدرين أن التعجيل بإنتخاب المجلس العالي للقضاء واصلاحه يعدّ ضرورة . وقد استدعيت في ذلك التاريخ كلا من الأستاذ عبد الرؤوف والسيدة سهام المذكورين وتحاورت معهما بمكتبي حول الطرق والآليات لإسترجاع مصداقية القضاة وانتهينا الى القول بضرورة تكوين لجنة مختصة تتولى الأبحاث قصد إبعاد ذوي الشبهة وأن آيّة إنتخابات قبل إجراء هذه الأبحاث قد تساعد على كشفهم. هل ترون أنه من الضروري الكشف عن قائمة الفاسدين في قطاع القضاء وكم يصل عدد هؤلاء حسب نظركم؟ الذين أساؤوا إلى مصداقية القضاء وإلى أنفسهم معروفون لذلك لا أرى ضرورة ولا مصلحة في التشهير بهم لكن المطلوب وبصورة أكيدة تكوين لجنة مختصة لاستبعادهم وهذه مسألة أولية لأن الظل لا يستقيم والعود أعوج أما عددهم فهو حوالي المائة ذلك أن نسبة هامة تقاعدت ولا يذهبن في ذهن القارئ أنهم يبلغون نسبة ثمانين في المائة من مجموعة القضاة كما ورد على لسان السيد أحمد الحمروني في التلفزة فهو نطق بحماس وبدافع الانتقام من الذين تآمروا على جمعية القضاة سنة 2005. مازال ملف المورطين في قضايا عديدة قيد التكتم فهل يعود ذلك لإجراءات قضائية أم أمور سياسية مرتبطة بقرارات وزير العدل؟ السبب يختلف من صنف في القضايا إلى آخر وأني أتذكر في هذا الصدد ملاحظتي للسيد نور الدين البحيري قبل تقلده للوزارة وذلك في أحد إجتماعات الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات لإجراء القرعة بين الأحزاب للحملة الانتخابية وقد قلت له : المطلوب المشترك لدى الشعب هو توفر الإرادة السياسية للقطع مع دولة الفساد وتنفيذ هذه الإرادة وإلا فقدت حكومة الثورة مبرر وجودها وأصبحت وزارة العدل غير ذات موضوع. كيف ترون إستقلالية القضاء والعدالة الانتقالية وهل تأخر الوقت في حسم هذا الموضوع؟ المهم التعجيل بإصلاح القضاء حتى يسترجع مصداقيته وقد كنت حرصت في نطاق الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات على إنتقاء القوي الأمين من القضاة ليشرف على الهيئة الفرعية بالدوائر الانتخابية لأن القضاء يستمد مصداقيته من حياد وشجاعة أفراده. كما أن الحكم القضائي تكمن قوته في قوة حجته وإجتهاد القاضي في نطاق القانون خاضع لرقابة زملائه لدى الإستئناف ولدى التعقيب، وليس لرقابة وزير العدل الذي لا يمكنه إرتكاب المحظور بنقلة قاضي من أجل موقف إجتهادي.