تواصل المواجهات في مدينة «أم العرائس» من ولاية قفصة، اتخذ أمس منعرجا جديدا، تمثل في أن الاحتجاج أصبح يهم التواجد الأمني (الشرطة والبوب) أكثر منه، معنيا بنتائج مناظرة صلب شركة فسفاط قفصة...
والحقيقة، مطلوب من الجهتين، السلط الرسمية وكذلك أبناء الجهة، تغليب مبدإ الحوار، والحوار لا يكون الا بفتح قنوات تواصل، فيها الكثير من التفهم من لدن السلطة تجاه الأهالي، والكثير كذلك من احترام القانون اذا ما وقع اقرار مبدإ احترامه، على اثر الاتفاق...
أهالي «أم العرائس» يشتكون من تدخل الشرطة، باختصاصيها، لأنهم يستبطنون آثار الاحداث المنجمية لسنة 2008... وهم يعتبرون أن جرحا ما لم يندمل بعد... والسلطة من جهتها، كان بامكانها، وهي تسعى الى تطبيق القانون لتأمين التهدئة والهدوء، أن تجعل المسألة مقتصرة على تكفل الجيش الوطني بحراسة وأمن المنشآت والمؤسسات الاقتصادية...
ان التعامل مع «بسيكولوجيا» الجماعة، في أي مرحلة من مراحل التشنج الشعبي، حول قضية متكررة، ونعني قضية الانتدابات والمناظرات التي تهم شركة فسفاط قفصة، يقتضي الكثير من الحكمة.
حكمة ترتكز أساسا على نزع فتيل الاحتجاج والغضب، وخاصة منها تلك الصور التي تذكر بزمن ماض، ونقصد انتفاضة الحوض المنجمي في 2008. القصة بدأت أمس الأول، حين دخل عدد من الشبان في «أم العرايس» في مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الداخلي، فيها الحجارة وفيها استعمال مكثف للغاز المسيل للدموع.. ان الشباب كما الأهالي، في منطقة مثل «أم العرايس» أين تعرضت كل المنطقة الى التهميش والاقصاء، لا يمكن ان تطلب بعد الثورة، سوى التفهم والابتعاد عن مظاهر المعالجات القديمة، في مواجهة الاحتجاج أو النقد...
التعزيزات الأمنية المكثفة التي تلت الاعلان عن فرض حظر التجول، أفرزت اتساع نطاق المواجهات بين قوات الأمن والأهالي، وقد طال الأمر عددا من الاحياء الشعبية... بالامكان تفادي تطور الأوضاع على الشاكلة التي عاشتها مدينة «أم العرايس» أمس، من خلال استعمال خطاب سياسي شعبي، فيه سياسة القرب واللامركزية الحقيقية، كعنوان لهذه المرحلة الصعبة.
حكومات الثورات في العالم، تعرف مثل هذا التشنج وسوء الفهم الذي لمسناه في أحداث «أم العرائيس» ولكن طرق الحل لا يمكن أن تجعل طرفين (الأمن والأهالي) في عملية المواجهة، بقدر ما يجب تحويل عملية المواجهة، بين كل الأطراف المعنية بعملية الانتقال الديمقراطي، وأبناء الجهة، وهنا لا نرى غير أعضاء المجلس الوطني المنتخبين عن جهة قفصة، وأم العرايس بالتحديد، من يستطيع تأمين عملية التواصل مع الشباب والأهالي، الذين لا يزالون يحملون جراح النظامين السابقين في التعاطي مع مشاغلهم.