لم يكن الطاهر الفازع يدرك أن السلسلة التي قدمها في برنامجه «كليمة حلوة» في إذاعة «اكسبريس آف.آم» عن تاريخ شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، يمكن أن تزيد من اصرار المجتمع المدني على تحدي قرار وزير الداخلية بمنع التظاهر في شارع كان وراء سقوط النظام السابق.
قبل اعلان وزير الداخلية منع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، كان الطاهر الفازع بصدد إعداد سلسلة من تاريخ هذا الشارع الذي يرى فيه حوصلة لتاريخ البلاد من دخول العساكر الفرنسيين من باب بحر في 8 أفريل 1881 إلى غاية ثورة 14 جانفي 2011. وعقب صدور إعلان وزير الداخلية بدأ الطاهر الفازع يوم 2 أفريل 2012، في تقديم سلسلة عن تاريخ شارع بورقيبة. ولمعرفة تاريخ هذا الشارع، كان لنا الحوار التالي مع الطاهر الفازع.
أولا كيف خطرت لك فكرة البحث في تاريخ شارع بورقيبة، وإعداد سلسلة إذاعية حوله؟
بصراحة لا أعرف بالضط ربما شممت أو أحسست برائحة الكريموجان قبل أن تنتشر في الشارع يوم 9 أفريل 2012. الأكيد أن شيئا ما أثارك أو ألهمك فكرة البحث في تاريخ هذا الشارع! صحيح، كان هناك خبران أثارا اهتمامي قبل إعلان وزير الداخلية منع التظاهر في شارع بورقيبة. الأول ما قاله الرئيس المؤقت منصف المرزوقي حول مقر السفارة الفرنسية ومطالبته باستعادة الأرض التي تقع عليها بحجة أنها من أملاك الدولة التونسية، ودعوته الى إقامة جامع فوق هذه الأرض، ثانيا دعوة البعض الى فسخ اسم الحبيب بورقيبة من الشارع وتعويضه باسم الثورة. وحال سماع الخبرين قلت لماذا لا أعرف بتاريخ هذا الشارع الذي بدأ يشغل الناس.
وماذا وجدت في تاريخ هذا الشارع؟
أحداثا وحوادث وحكايات ونوادر كثير.
لو نبدأ من الأول متى أقيم هذا الشارع؟
الأفضل أن أبدأ من قبل ظهوره، لأنه لم يكن هناك شيء في شارع بورقيبة قبل 150 سنة، فقد كان «مصب للزيڤوات» ترتع فيه الكلاب السائبة وتنبعث منه روائح كريهة وكان باب بحر يغلق في الليل خوفا من تسلّل الكلاب المتشردة والغرباء عن المدينة. وكانت الجاليات الأوروبية تخرج الى المكان لصيد الحجل.
وكيف بدأ إعمار الشارع؟
في أواخر القرن التاسع عشر كان قناصلة فرنسا وإيطاليا وانقلترا المقيمين في المدينة العتيقة، يتصارعون على استعمار تونس، وكان قنصل فرنسا أول من خرج من المدينة العتيقة لاقامة دار فرنسا في الشارع، وتحديدا في المكان الذي يوجد فيه مقر السفارة الفرنسية الآن.
بعد ذلك تمّ تعبيد الشارع بالحجارة ليتحول الى ما عرف وقتها بمنتزه البحرية أو شارع البحرية. وكان عبارة عن منتجع تتنزه فيه الجاليات الأوروبية المقيمة داخل المدينة العتيقة ومع تكثيف النشاط من باب بحر إلى مقر دار فرنسا. بدأ المستثمرون والبحارة يقيمون مقرات ومحلات لأنشطتهم فتمت إقامة المغازة العامة، ثم مقر شركة الترامواي أو الترونفاي...
ومتى أصبح الشارع يحمل اسم جول فيري، ولماذا؟
في 8 أفريل 1881 دخل عساكر فرنسا من باب بحر، ومنذ ذلك الوقت لم يغلق الباب الى الآن. وكان جول فيري أول من فكر في استعمار فرنسالتونس، طلب من مجلس النواب الفرنسي وكان يرأسه وقتها «ڤمبيتا» استعمار تونس، ورغم رفض مطلبه من قبل رئيس مجلس النواب الذي وصف تونس وقتها بأنها لا تساوي «سيجارا». أصر هذا الاخير وكان عضوا في المجلس على تنفيذ مشروعه. وبدخول «العكري» كما يقال الى تونس، تم إطلاق اسمه على شارع البحرية، فتحول الى شارع جول فيري حيث أقيم له تمثال مكان الساعة الآن.
وماهي أهم الأحداث التي تذكرها من تاريخ هذا الشارع حسب البحث الذي أعددته لسلسلتك الاذاعية على «إكسبريس آ.ف.آم»
دخول العساكر الفرنسيين من باب بحر في 8 أفريل 1881 وإنشاء أول شركة نقل ترامواي في 1884 وإقامة المغازة العامة كأول فضاء تجاري ضخم في تونس وزرع شجر الفيكوس (Fucus) في الشارع سنة 1897 وتعداد سكان العاصمة في 1926 حين كان عددهم 190 ألف ساكن نسبة المسلمين منهم لا تتجاوز 45٪ وبناء الكنيسة أو الكاتيدال في 1897، وبناء المسرح البلدي الذي كان يحمل إسم كازينو تونس ومساحته في حدود 5000 متر مربع في 1902 وتحرير الجيس البريطاني للعاصمة من النازيين في 7 مارس 1943 وإزالة تمثال جول فيري من الشارع في 1956 وإزالة تمثال بورقيبة من الشارع في 11 أكتوبر 1988، وإقامة ساعة سيئة المنظر بدله، وحوادث 26 جانفي 1978 وأحداث 3 جانفي 1984 وبطبيعة الحال ثورة الشعب التونسي في 14 جانفي 2011.
وماذا تذكر من النوادر أو الطرائف من تاريخ هذا الشارع؟
ما رواه غاي دي موباسان عن ردم تونس البحرية، حيث كتب أنه سمع أصواتا غريبة غير بعيد عن باب بحر ولما ذهب لاستطلاع الأمر، وجد حشودا من الزنوج يردمون البحيرة وهم يرددون أغان. كما لفت انتباهي صيد الحجل في مكان الكنيسة الآن، والأغاني التي ظهرت في مطلع القرن الماضي تتغنى بالشباب التونسي من سكان المدينة العتيقة والجميلات الأوروبيات اللواتي كن يتنزهن في شارع البحرية. ومن أشهر الأغاني «ولد الباي».
بعد سرد كل هذا التاريخ عن شارع بورقيبة، فيما تتمثل قيمته في رأيك؟
في رأيي أهمية شارع بورقيبة هي في قيمته التاريخية فهو يحوصل تاريخ البلاد على مدى أكثر من قرن اضافة الى أن الاستعمار الفرنسي دخل منه وبن علي خرج منه وشارع بورقيبة في نظري تحول منذ 14 جانفي 2011 الى ساحة احتجاجية مثل ميدان التحرير في القاهرة وتيا نينمان في بكين.