عاجل/ وفاة شابّة بمستشفى قفصة: وزارة الصحة تصدر بلاغا وتكشف..    عاجل/ وفاة شابّة بمستشفى قفصة: الكشف عن معطيات جديدة    عاجل/ المبعوث الأمريكي يعلن فشل مفاوضات غزّة    البرلمان يصادق على مقترح قانون لتنقيح الفصلين 96 و98 من المجلة الجزائية    بسبب تواصل ارتفاع درجات الحرارة..وزارة الفلاحة تصدر بلاغا تحذيريا    تحوير في جولان قطار TGM وحركة المرور.. #خبر_عاجل    عاجل/ بداية من هذا التاريخ: قروض تصل الى 200 ألف دينار دون فوائد لهؤلاء..التفاصيل الكاملة..    الكاف: حماية النساء ضحايا العنف ومنع قتل النساء في تونس    عملية دهس لإسرائيليين وسط الأراضي المحتلة..وهذه حصيلة المصابين..#خبر_عاجل    تحذير من كويكب يقترب من الأرض في هذا الموعد..#خبر_عاجل    سقوط طائرة على طريق سريع مزدحم في إيطاليا (فيديو)    جامعة كرة القدم تصدر بلاغا شديدة اللجهة للأندية    عاجل/ فتح تحقيق في وفاة فتاة بمستشفى الحسين بوزيان بقفصة    إدّعى أنه عون "ستاغ": مجهول يعتدي على مسنّة ثمانينية ويحيلها على الإنعاش.. #خبر_عاجل    الرصد الجوي: توزر تسجل أعلى درجات حرارة اليوم    "أديكت أميبا" على ركح مهرجان الحمامات: موسيقى راقصة تخفي وجع المظلومين وتغنّي للحرية    عاجل/ تزامنا مع تواصل موجة الحر: الرصد الجوي يحذر المواطنين وينصح..    موجة حر شديدة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي: احمي نفسك وأحبائك من الحرارة القاتلة دون مكيف بهذه الخطوات..    باجة: طائرة وآلة كاسحة لمنع وصول حريق إلى تجمعات سكنية    وين يمشيوا أفارقة جنوب الصحراء بعد تفكيك مخيماتهم العشوائية في صفاقس ؟    هل سيتم إيقاف أبناء التونسيين بالخارج بسبب الخدمة الوطنية؟ وزارة الدفاع توضّح    أغرب سؤالات وحكايات التوانسة مع شات جي بي تي    تحويل حركة المرور بسوسة بسبب كرنفال ''أوسو'': تفاصيل الإجراءات الخاصة بيوم الجمعة    رسميا.. لاعب عربي جديد يوقع لنادي ليفربول...تفاصيل    تلبس النحاس ترتاح من وجايع المفاصل...شنوّا يقول العلم؟    موجة حرّ؟ راسك يُوجْعك؟ أعرف السبب قبل ما تغلط    بدنك يحكي معاك... إشارات لازم تفهمها قبل ما تمرض!    قابس: نحو النهوض بالقطاع السياحي وأستغلال مقوماته الاستغلال الأمثل    مصالح الديوانة بمطار جربة جرجيس تحجز 21 قطعة نقدية أثرية من معدن الذهب    مهرجان النسيج بقصر هلال: عروض فنية وندوة علمية إقتصادية    على هامش مهرجان بلاريجيا الدولي في دورته 49: فسيفساء بعيون قدسية    ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 17 لمهرجان قبلي الدولي    حي التضامن : حملة أمنية واسعة تسفر عن إيقاف عناصر إجرامية خطيرة    ما هي ''حشرة سيسيدومي'' وكيف أثرت على أشجار الزيتون في زغوان؟    البطولة العربية لكرة السلة: المنتخب الوطني يستهل غدا المشوار بمواجهة "الجار"    إنتقالات: ثنائي يعزز صفوف النجم الساحلي    تيتيباس ينفصل عن مدربه إيفانيسيفيتش بعد أقل من شهرين    中国高层代表团探讨加强突尼斯与北京经贸投资合作机遇    محمد علي فنيرة عضو لجنة الصناعة بالبرلمان : الكهرباء يجب أن يتوفر دون انقطاع ..    الحماية المدنية: إطفاء 202 حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل : القضاء الأميركي يُبطل قرار ترامب بشأن الجنسية!    وفد صيني رفيع المستوى يبحث فرص تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين تونس وبكين    عاجل: محطة ترابط جديدة بين هذه المناطق بالقطار السريع للقباعة بداية من سبتمبر    زيت صفاقس راجع بقوّة؟ المؤشرات تبشّر بموسم واعد!    خلايا مصحوبة بأمطار رعدية بهذه المناطق بعد الظهر    الصهد يلهب البلاد: توزر تسجّل أعلى حرارة ب47 درجة!    عاجل: العثورعلى الطيارة الروسية المفقودة ''مشتعلة'' في التايغا.. شنوّة اللي صار؟    راغب علامة معلّقًا على منتقديه: ''قبلة الفنان مش جريمة!''    إيكيتيكي ينضم إلى ليفربول قادما من أينتراخت    تاريخ الخيانات السياسية (24) رأس الأمين بن هارون الرشيد    معالم وآثار: مدرسة سيدي محرز: تحفة حفصية جمعت بين العلم والإحسان    أولا وأخيرا: الجنة الضائعة وكذبة القرن    الأردن.. انطلاق فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون    كوكب الأرض يدور بوتيرة أسرع هذا الصيف.. وهذه تأثيراته    قفصة: ارتفاع صابة الفستق إلى 4289 طنا خلال الموسم الفلاحي الحالي    نحو التقليص من كمية الملح في الخبز بنسبة 30%..    عرض "سينوج-أوديسي" في مهرجان الحمامات الدولي: مزيج متقن بين التراث والتجريب    شمس تختفي لمدة طويلة.. الكسوف الكبير يجي على قريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنارة : الردة الفكرية (1-2)
نشر في الشروق يوم 27 - 04 - 2012

ليس من المبالغة القول : إن الفضاء العربي الإسلامي لم يعرف في تاريخه الحديث الدولة المدنية في محتواها السياسي والفكري، وكذلك في سياقها التاريخي إلا في حالات نادرة، وفي فترة زمانية قصيرة هنا وهناك، فهوقد عرف، ولا يزال، الدولة العسكرية، والدولة المخابراتية، والدول التيوقراطية المتجذرة في عقلية العصر الوسيط، ودولة الحزب الواحد الشمولي.


لما هبت رياح الحرية، وسقطت النظم السلطوية ظن المواطن العربي أنه قد آن الأوان كي ينطلق حلم بناء الدولة المدنية الديمقراطية في الفضاء العربي، ولما أظلته سحابة الإسلام السياسي، ورفع في أكبر قطر عربي شعار «الإسلام هو الحل» توجس خيفة، وبدأ يتهاوى الحلم، إذ أنه لا علاقة لا من قريب، ولا من بعيد بين هذا الشعار، وبين مفهوم الدولة المدنية، ولاح الأمل في الأفق من جديد لما أعلنت قيادة الحركات التي فتحت الثورات العربية الباب أمامها للوصول إلى السلطة تمسكها بالدولة المدنية، ولكن هذا الإعلان لم يقطع شك، إذ اقترن باستعمال مفاهيم تراثية غريبة عن مفهوم الدولة المدنية مثل «الحركة الربانية»، و«النائب الرباني»، و«الدخول إلى الحداثة من باب الإسلام»، والمطالبة باعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع، وغيرها من المفاهيم.

كشف هذا الخطاب عدم دراية، أوعدم اقتناع بالمسار التاريخي الذي خرج من عباءته مفهوم الدولة المدنية، فهو لم يطل علينا من الفكر السياسي العربي الإسلامي، بل أطل علينا من فضاء آخر، فضاء ميلاد الطبقة البورجوازية، وقد أسست على أنقاض عصر الإقطاع متحررة من الحكم الإقطاعي الوراثي، وفي الآن ذاته من حليفه التاريخي الكهنوت الكنيسي، فالدولة المدنية هي البنت الشرعية للمخاض العسير الذي عرفه القرن الثامن عشر بصفة خاصة، وهوالقرن الذي دشن عصر ثورات الحرية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

الدولة المدنية هي إذن سليلة الحداثة التي دشنت عصر حرية الإنسان، وحررت إرادته ليعي أنه صانع تاريخه، وبالتالي فهومسؤول عن اختياره، وهي التي أزالت طابع القداسة عن الحكم بعد أن افترى زبانيته على الشعوب قرونا طويلة، زاعمين أنهم يستمدونها من السماء عبر الكهنوت، فالسلطة شأن إنساني دنيوي لا علاقة له بالسماء، فالإنسان وحده، وعبر نضاله الطويل له الحق في اختيار أفضل أنماط الحكم لتسيير شؤونه، وله وحده الحق في تغييرها، إذا لم تستجب لمصالحه، والحداثة المطلة من عباءة فلسفة الأنوار تعني العلاقة الوثيقة التي لا انفصال لها بين المفهومين : العقلانية والتحرر، فالعقلانية لا معنى لها دون أن تكون في خدمة التحرر، ويضحي التحرر، وما يقترن به من حريات، وحقوق، وديمقراطية بدون عقلانية مستحيلا، وهكذا أصبحت ممارسة الفكر العقلاني هي المحك، وحجر الزاوية، وبرزت وظيفته النبيلة في قيادة التقدم والتحرر، فلا حداثة دون تحرير الإنسان من كل المسلمات، والبديهيات، والمتافيزيقيات، والأساطير، وتحرير التاريخ من مقولة الحتمية.

إن مشروع الحداثة متواصل، فهولم يصل إلى نهايته، كما يزعم البعض، قد تصاب الحداثة أثناء مسيرتها الطويلة بردة أو نكسة، أو تستغل أدواتها التقنية المتطورة فتستعمل في القمع والاضطهاد، ولكنها قادرة برؤيتها المتكاملة على كبح الجماح، وتدارك الهنات وإصلاح الأخطاء.

إن الوجه الآخر للحداثة الديمقراطية الليبرالية يسمح بظهور سلبيات الحداثة، والتعرف إليها، ومشاركة قوى المجتمع المدني في معالجتها حسب مبادئ الحداثة نفسها، وفي طليعتها مبدأ حرية النشر والتعبير، وحق الوصول إلى المعلومة، كما أبرز ذلك نضال المجتمعات المدنية الأوروبية ضد خطر التسلح النووي، وأخطار تلوث البيئة، وضد الحركات العنصرية والفاشية، وأما سلبيات المجتمعات المغلقة المعادية لهذا الوجه من الحداثة فهي أشد فظاعة، وأكثر ثبورا وويلا على الناس، ولا يتسنى معالجتها في الإبان لأنها تبقى طي الكتمان، ولا يطلع عليها الرأي العام إلا بعد خراب البصرة.

إن اجتثاث مفهوم الدولة المدنية من سياقه التاريخي، وبخاصة من سياقه الفكري والتغني به لذر الرماد في العيون، وطمأنة الحليف الاستراتيجي المراقب على الضفة الأخرى من المحيط لمآل الثورات العربية، لا يبرهن على حسن نية، ولا على إيمان بالقيم التي اندلعت من أجلها الثورات العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.