عاجل/ الحرارة تنخفض الى 24 درجة بداية من هذا الموعد    كوكب الأرض يدور بوتيرة أسرع هذا الصيف.. وهذه تأثيراته    عاجل/ الترفيع في أسعار هذه الأدوية..    برلمان... الحكومة تعزز شراءات الغاز الطبيعي في ظل خطط طموحة لتنويع المزيج الطاقي لانتاج الكهرباء    قبلي: المجمع المهني المشترك للتمور يؤمن برامج متعددة للمحافظة على جودة الصابة    هذا ما قاله مستشار ترامب عن لقاءه مع رئيس الجمهورية.. #خبر_عاجل    حزن في إيطاليا بعد وفاة سيليست بين نجم فيورنتينا السابق    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق هذا النائب السابق..    نحو التقليص من كمية الملح في الخبز بنسبة 30%..    تونس: موظف بنك يتحصّل على 2300 دينار...ويخسر نصفها في الأداءات!    جندوبة: جملة من القرارات لحماية المدن من الفيضانات    عاجل: درجات حرارة غير مسبوقة تُسجّل في بعض الدول وتثير مخاوف كبرى    صادم/ مصرع شخصين وإصابة آخر اثر مشاجرة بين عائلتين..    31 شهيدا في قصف ونيران الاحتلال منذ فجر اليوم في قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ تسميات جديدة برئاسة الحكومة..    بطولة العالم للرياضات المائية: أحمد الجوادي يستعد للمشاركة في المسابقة    إنتقالات: لاعب الزمالك المصري على رادار الترجي الرياضي    الحماية المدنية: 147 تدخلا لإطفاء الحرائق في الأربع والعشرين ساعة الماضية    شوية راحة: نهاية موجة الحر من عشية الجمعة بسبب ''التيار النفاث''...شنيا حكايته    فظيع/ وفاة ثلاثيني بعد سقوطه من سطح المنزل..وهذه التفاصيل..    تدهور الحالة الصحية لبروس ويليس: الممثل أصبح عاجزًا عن الكلام والقراءة    قفصة: ارتفاع صابة الفستق إلى 4289 طنا خلال الموسم الحالي    شنوّة أغلى بلاد عربيّة في''الاصونص'' ؟    في تونس: 40% من استهلاك الملح يأتي من الخبز!    منظمة الصحة العالمية تحذّر من خطر تفشي فيروس شيكونغونيا من جديد...هذه أعراضه    عضمة في الأسبوع تنجم تحميك مالمرض هذا...اعرف السّر    عاجل/ حادثة وفاة 6 أشقاء..تطورات جديدة والنيابة تأذن باستخراج الجثث لفحصها..    في سهرة استثنائية: إقبال كبير على تذاكر حفل زياد غرسة في بنزرت    شنوّا تعرف على تبييض الأموال؟    إعفاء عام من الضرائب على مداخيل الجالية التونسية بإستثناء العقارات    عمادة المحاسبين التونسيين : المحاسب لا يمثّل المواطن أمام الإدارة الجبائية أو القضاء    بنزرت: القبض على 12 شخصا من دول إفريقيا جنوب الصحراء كانوا يستعدون"للحرقة"    الرابطة الأولى: إتحاد بن قردان يجدد عقد نجم الفريق    أول تعليق من راغب علامة بعد منعه من الغناء في مصر    الصوناد تدعو التونسيين إلى التبليغ عن الإشكاليات عبر هذا الرقم الأخضر    بزشكيان: الحديث عن إنهاء البرنامج النووي الإيراني "وهم"    في نهار: 590 تدخل للحماية المدنية.. شنوا صاير؟    وزارة الفلاحة:جلسة عمل حول التقرير السنوي القطاعي للمياه 2024    وفاة أسطورة الروك «أمير الظلام» أوزي أوزبورن    ترامب يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع اليابان    "حوار الأوتار 2" لكمال الفرجاني على ركح مهرجان الحمامات: تحية لروح وناس خليجان وجسر ثقافي بين الشرق والغرب    عرض "سينوج-أوديسي" في مهرجان الحمامات الدولي: مزيج متقن بين التراث والتجريب    أوروبا تطالب إسرائيل بالتوقف عن قتل الغزيين عند نقاط توزيع المساعدات    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات - تاهل المغرب ونيجيريا الى الدور النهائي    درجات حرارة تُقارب ال50 في الجنوب التونسي    التونسي عزيز دوقاز يواصل تألقه ويتأهل إلى الدور الثاني في دورة سيغوفي الإسبانية    البرلمان يناقش اليوم الأربعاء اتفاقية ضمان لتعبئة 70 مليون دولار لتمويل شراءات الغاز الطبيعي    ترامب يتهم أوباما ب"الخيانة".. ومكتب الأخير يرد    تاريخ الخيانات السياسية (23)...فتنة الأمين و المأمون    عاجل: أعلى درجات الحرارة المسجلة الثلاثاء كانت 48 بتوزر و47 بقبلي    عاجل/ الحرارة تصل 36 درجة هذه الليلة    شمس تختفي لمدة طويلة.. الكسوف الكبير يجي على قريب    موهبة تونسية في مواجهة عمالقة الطاولة: وسيم الصيد يتحدّى ثلاث منافسات !    هند صبري تودّع والدتها بكلمات مؤثرة: "كانت ابنتي وصديقتي ورفيقة دربي"    بطولة سيغوفي الاسبانية للتنس - عزيز دوقاز يلاقي الفرنسي روبان ماتري في الدور الاول    بسبب ''قُبلة'' من فتاة: منع راغب علامة من الغناء في مصر    تاريخ الخيانات السياسية (22) .. حكاية الرشيد وجعفر البرمكي    الأرض على موعد يومين من أقصر الأيام في تاريخ البشرية!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنارة : الردة الفكرية (1-2)
نشر في الشروق يوم 27 - 04 - 2012

ليس من المبالغة القول : إن الفضاء العربي الإسلامي لم يعرف في تاريخه الحديث الدولة المدنية في محتواها السياسي والفكري، وكذلك في سياقها التاريخي إلا في حالات نادرة، وفي فترة زمانية قصيرة هنا وهناك، فهوقد عرف، ولا يزال، الدولة العسكرية، والدولة المخابراتية، والدول التيوقراطية المتجذرة في عقلية العصر الوسيط، ودولة الحزب الواحد الشمولي.


لما هبت رياح الحرية، وسقطت النظم السلطوية ظن المواطن العربي أنه قد آن الأوان كي ينطلق حلم بناء الدولة المدنية الديمقراطية في الفضاء العربي، ولما أظلته سحابة الإسلام السياسي، ورفع في أكبر قطر عربي شعار «الإسلام هو الحل» توجس خيفة، وبدأ يتهاوى الحلم، إذ أنه لا علاقة لا من قريب، ولا من بعيد بين هذا الشعار، وبين مفهوم الدولة المدنية، ولاح الأمل في الأفق من جديد لما أعلنت قيادة الحركات التي فتحت الثورات العربية الباب أمامها للوصول إلى السلطة تمسكها بالدولة المدنية، ولكن هذا الإعلان لم يقطع شك، إذ اقترن باستعمال مفاهيم تراثية غريبة عن مفهوم الدولة المدنية مثل «الحركة الربانية»، و«النائب الرباني»، و«الدخول إلى الحداثة من باب الإسلام»، والمطالبة باعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع، وغيرها من المفاهيم.

كشف هذا الخطاب عدم دراية، أوعدم اقتناع بالمسار التاريخي الذي خرج من عباءته مفهوم الدولة المدنية، فهو لم يطل علينا من الفكر السياسي العربي الإسلامي، بل أطل علينا من فضاء آخر، فضاء ميلاد الطبقة البورجوازية، وقد أسست على أنقاض عصر الإقطاع متحررة من الحكم الإقطاعي الوراثي، وفي الآن ذاته من حليفه التاريخي الكهنوت الكنيسي، فالدولة المدنية هي البنت الشرعية للمخاض العسير الذي عرفه القرن الثامن عشر بصفة خاصة، وهوالقرن الذي دشن عصر ثورات الحرية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

الدولة المدنية هي إذن سليلة الحداثة التي دشنت عصر حرية الإنسان، وحررت إرادته ليعي أنه صانع تاريخه، وبالتالي فهومسؤول عن اختياره، وهي التي أزالت طابع القداسة عن الحكم بعد أن افترى زبانيته على الشعوب قرونا طويلة، زاعمين أنهم يستمدونها من السماء عبر الكهنوت، فالسلطة شأن إنساني دنيوي لا علاقة له بالسماء، فالإنسان وحده، وعبر نضاله الطويل له الحق في اختيار أفضل أنماط الحكم لتسيير شؤونه، وله وحده الحق في تغييرها، إذا لم تستجب لمصالحه، والحداثة المطلة من عباءة فلسفة الأنوار تعني العلاقة الوثيقة التي لا انفصال لها بين المفهومين : العقلانية والتحرر، فالعقلانية لا معنى لها دون أن تكون في خدمة التحرر، ويضحي التحرر، وما يقترن به من حريات، وحقوق، وديمقراطية بدون عقلانية مستحيلا، وهكذا أصبحت ممارسة الفكر العقلاني هي المحك، وحجر الزاوية، وبرزت وظيفته النبيلة في قيادة التقدم والتحرر، فلا حداثة دون تحرير الإنسان من كل المسلمات، والبديهيات، والمتافيزيقيات، والأساطير، وتحرير التاريخ من مقولة الحتمية.

إن مشروع الحداثة متواصل، فهولم يصل إلى نهايته، كما يزعم البعض، قد تصاب الحداثة أثناء مسيرتها الطويلة بردة أو نكسة، أو تستغل أدواتها التقنية المتطورة فتستعمل في القمع والاضطهاد، ولكنها قادرة برؤيتها المتكاملة على كبح الجماح، وتدارك الهنات وإصلاح الأخطاء.

إن الوجه الآخر للحداثة الديمقراطية الليبرالية يسمح بظهور سلبيات الحداثة، والتعرف إليها، ومشاركة قوى المجتمع المدني في معالجتها حسب مبادئ الحداثة نفسها، وفي طليعتها مبدأ حرية النشر والتعبير، وحق الوصول إلى المعلومة، كما أبرز ذلك نضال المجتمعات المدنية الأوروبية ضد خطر التسلح النووي، وأخطار تلوث البيئة، وضد الحركات العنصرية والفاشية، وأما سلبيات المجتمعات المغلقة المعادية لهذا الوجه من الحداثة فهي أشد فظاعة، وأكثر ثبورا وويلا على الناس، ولا يتسنى معالجتها في الإبان لأنها تبقى طي الكتمان، ولا يطلع عليها الرأي العام إلا بعد خراب البصرة.

إن اجتثاث مفهوم الدولة المدنية من سياقه التاريخي، وبخاصة من سياقه الفكري والتغني به لذر الرماد في العيون، وطمأنة الحليف الاستراتيجي المراقب على الضفة الأخرى من المحيط لمآل الثورات العربية، لا يبرهن على حسن نية، ولا على إيمان بالقيم التي اندلعت من أجلها الثورات العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.