بدت الإيقاعات الأفرو-لاتينية المنبعثة من ركح مهرجان الحمامات في سهرة "أديكت أميبا" الإيطالية، الليلة الماضية، احتفالية وراقصة في ظاهرها، لكنها حملت في أعماقها وجع المستضعفين والمضطهدين. وقد حملت رسائل فنية مشحونة بدعوات إلى الحرية والسلام والعدالة، وصرخات ضد الاستعمار والعبودية وكل أشكال القهر الإنساني. وكانت الموسيقى الوسيلة الوحيدة لهذه المجموعة للتعبير عن الغضب والاحتجاج على انهيار القيم الإنسانية، فجعلوا منها لغة يتقنها الجميع دون حاجة إلى كلمات. وأضاءت فرقة "أديكت أميبا" الإيطالية مسرح مهرجان الحمامات الدولي في دورته التاسعة والخمسين (11 جويلية – 13 أوت 2025) بعرض إيقاعي ألغى الحدود الجغرافية والثقافية وجمع بين قارات مختلفة تحت راية الإيقاع الإنساني المشترك العابر للغات والهويات والمحتفي بالتنوع والانتصار للعدالة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصائرها. وتُعرف فرقة "أديكت أميبا" التي تأسست في حي "كازوريتو" بمدينة ميلانو الإيطالية سنة 2017، بأنها توليفة فنية متعددة الخلفيات والثقافات. وقد بدأت من نواة صغيرة من أصدقاء يعزفون على آلات إيقاعية ونفخية، ثم انفتحت على موسيقيين من أمريكا اللاتينية وعشاق البانك والجاز وموسيقى الشعوب لتصوغ عبر هذا المزيج رؤيتها الخاصة لعالم بلا حدود ولا قيود. وقدمت الفرقة مزيجا متفرّدا من الإيقاعات الأفرو-لاتينية المتأثرة بالفلكلور الإفريقي وأمريكا الوسطى، متماهية مع أساليب موسيقات الفانك والبانك والجاز في تفاعل متناغم بين الآلات اللاتينية والإفريقية والغربية، فعبّرت من خلاله عن رؤيتها الفنية التي تقوم على الانفتاح والتعايش والتقاطع بين الثقافات. وأدّت الفرقة مقطوعات لم تهدأ إيقاعاتها على قرع الطبول مثل "Love Lava" و"Panamor" و"Furiosa" و"Ya Bled". واختُتمت السهرة بمقطوعة "Nansa" التي أعادت الجمهور إلى الرقص من جديد متحدين حرارة الطقس بشغف الموسيقى. وقد سجّل الحفل حضورا لافتا لجمهور إيطالي جاء خصيصا لمتابعة فرقته المفضلة، بينما تفاعل الجمهور التونسي مع الأداء ليتحوّل المكان إلى ساحة احتفال بالموسيقى والحياة. وشكّل انضمام الفنان التونسي ربيع إبراهيم أحد أبرز مفاجآت الحفل، حيث أضفى حضوره في العزف على الشقاشق والطبل لمسة محلية. وقد أثبت ربيع، الآتي من خلفية مسرحية، قدرته على الانسجام مع روح الفرقة وأسلوبها المتحرّر ليصبح أحد أعضائها الأساسيين. باولو تشيروتو: "لا نعترف بالحدود… وموسيقانا دعوة لإيقاظ الضمير الإنساني" وتحدث "باولو تشيروتو"، أحد أعضاء الفرقة، خلال ندوة صحفية انتظمت إثر العرض، عن الفلسفة التي تقوم عليها "أديكت أميبا"، موضحا أن مشروعهم لا يقتصر على العزف والإيقاع وإنما ينطلق من رؤية إنسانية وفكرية تسعى إلى كسر الحواجز والتقريب بين الشعوب من خلال موسيقى تحتفي بالاختلاف. وأشار إلى أن العرض يأتي في إطار مشروع "شلوق" المدعوم من المعهد الثقافي الإيطالي في تونس، الذي يهدف إلى تفعيل التبادل الثقافي بين تونس وإيطاليا واستحضار روابط تاريخية مثل موجات الهجرة السيسيلية إلى تونس في القرن التاسع عشر. وفي تعليقه على اسم الفرقة "Addict Ameba"، أوضح "تشيروتو" أن الاسم يحمل رمزية مزدوجة: فهو يعني الإدمان في مفهومه الشامل كالإدمان على استخدام التكنولوجيا الرقمية أو إدمان المشروبات الكحولية، و"الأميبا" ككائن يرمز إلى الركود والخمول في دعوة للناس إلى الاستفاقة وتحرير ذواتهم وإحياء ضمائرهم. كما يحمل الاسم صدى صوتيا مع "أديس أبابا" عاصمة إثيوبيا في إشارة إلى تأثر هذه المجموعة بموسيقى الجاز الإفريقية وأعمال الفنان الأثيوبي "مولاتو أستاتكي". وأبرز تشيروتو أن "أديكت أميبا" لا تغفل عن استحضار التاريخ والسعي إلى إعادة التفكير في الإرث الاستعماري الإيطالي الذي لا يزال مهمّشا في التعليم والخطاب العام، لا سيما ما تعرّضت له ليبيا وإثيوبيا من عنف استعماري، على حد قوله. وشدد على أن الفن في نظرهم لا ينفصل عن الموقف السياسي وأن الموسيقى هي وسيلتهم للقول والاحتجاج والحلم في آن واحد. من جهته، أوضح ربيع إبراهيم أن انضمامه للفرقة جاء بعد لقاء أولي في فعاليات ثقافية بميلانو، ثم تطورت العلاقة من تفاعل فني إلى مشاركة فعلية بدأت بتسجيل أغنية "يا بلاد" وانتهت بالانضمام الكامل إلى المجموعة ليصبح جزءا من هذا المشروع الموسيقي المتنوع.