مثّلت دعوة رئيس الحكومة حمادي الجبالي خلال الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي أمس الأول إلى تشكيل مجلس حكماء يجمع ولا يفرق ويتم الرجوع إليه عند الأزمات واحدة من أهم النقاط التي تضمنها برنامجه السياسي لهذه المرحلة... كيف تنظر مختلف الأطراف السياسية الفاعلة اليوم إلى هذه المبادرة؟ عبد الحميد الجلاصي (حركة «النهضة») : الانفتاح على القوى الوطنية ضروري لإدارة المرحلة قال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي إنّ «هذا الموضوع يحتاج مزيدا من التدقيق لكنّ أهمية المقترح تكمن في أنّ هذا البلد سيظلّ لمدّة 10 أو 15 سنة في وضع انتقال، وهذا يتطلب توافقات». وأضاف الجلاصي أنّ هذه المرحلة لا تكفي فيها صناديق الاقتراع لنيل الشرعية لأن هناك أيضا شرعية أخرى تعادل الشرعية الانتخابية وهي شرعية الأحزاب والقوى الاجتماعية والشخصيات الوطنية المعروفة بنضالها الوطني والتي لها قوة اقتراح ولها مواقفها وكلمتها في كلّ ما يجري. وأكّد الجلاصي أنّ «تونس تحتاج كلّ صاحب فكرة وكل صاحب إرادة للإسهام في ترشيد الخيارات والمقترحات، إذ لا أرى أنّ شخصيات مثل أحمد المستيري وأحمد بن صالح ومصطفى الفيلالي مثلا ليس لها دور في المرحلة القادمة فضلا عن الدور الأساسي لاتحاد الشغل واتحاد الفلاحين وغيرها من القوى الفاعلة» ، ورأى الجلاصي أنّ الحديث عن إنشاء هذا المجلس ينمّ عن انفتاح وفهم عميق للمرحلة القادمة مشيرا إلى أنّ المجلس قد يكون له دور استشاري ولكن عندما يصير احتقان فهو الذي يحسم الخلافات.
عبد الجليل التميمي : إحداث لجنة حكماء دليل قوة الحكومة أكّد الأستاذ عبد الجليل التميمي أنّ فكرة إنشاء مجلس للحكماء مستوحاة من مقترحه بتكوين لجنة خبراء مرجعيين خلال لقائه بالناطق الرسمي للحكومة سمير ديلو قبل أسبوعين. وقال التميمي «أنا مسرور لأنّ مقترحي أُخذ في الاعتبار فنحن في حاجة إلى مثل هذه المرجعية الوطنية البعيدة عن كلّ تحزّب سياسوي، ونحن في حاجة إلى مراجع في الوطنية والإخلاص تتمحور حولهم التجارب ويقدّمون تصوراتهم انطلاقا من تجربتهم الوطنية الصادقة». وأعرب التميمي عن اعتقاده بأنّ هذا التوجه نحو إنشاء مجلس حكماء «سيكون من الحلول الجيّدة والعملية لتقديم رؤية جديدة للثورة ولإنقاذ الثورة» نافيا أن تكون هذه الدعوة دليل ضعف من الحكومة لأنّ «هذا يحصل في كل الدول الناضجة والمتمدّنة التي لا تحرم بلدها من الاستئناس بآراء الخبراء والناس الذين يمثلون مراجع، فهذ بالعكس دليل قوة للحكومة». وأكّد التميمي أنه «من الجميل أن نرى أناسا يعملون دون شعارات سياسية لدفع الحركة التنموية ولإنضاج الحكم الرشيد الذي يتطلب مثل هذا الأمر».
محمّد براهمي (حركة الشعب): مجلس نتطارح فيه الأفكار أفضل من الهراوات الغليظة في الشوارع أكّد عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة الشعب محمّد براهمي أنّ الترويكا الحاكمة اليوم تعي أنّه لا أحد بإمكانه أن يحكم تونس بمفرده وأنّ شعب تونس صار عصيّا على كل أساليب الحكم القديمة، وأنّ الترويكا بدت مقتنعة بضرورة الوفاق حول أمهات القضايا ومنها إدارة الشأن العام. ورأى براهمي أنّ هذا الوفاق يحتاج إلى برنامج وأرضية وربّما رأى رئيس الحكومة أنّ مجلس الحكماء قد يكون مرجعية لهذا الوفاق. واعتبر براهمي أنّ «هذه الدعوة مفيدة في هذه الظرفية وهي مقدّمة أساسية للخروج من الأزمة السياسية المركّبة في البلاد، ونحن نعتقد أنّ هذا المجلس الذي نتطارح فيه الأفكار خير من الهراوات الغليظة التي رأيناها في الشوارع سواء على أيدي القوات النظامية أو على أيدي مجموعات محسوبة على حركة النهضة». وبخصوص التركيبة المحتملة لهذا المجلس إذا ما تمّ إنشاؤه قال براهمي «لا أعتقد أنّ هناك أسماء بعينها مرشّحة لتكون أطرافا في هذا المجلس ولكن القوى السياسية والشخصيات الوطنية المنتصرة للثورة والملتزمة بأهدافها هي المعنيّة بتشكيل هذا المجلس الذي سيكون مآله الفشل إذا ما تمّ تشكيله على قاعدة «من كلّ زوجين اثنين» كسفينة نوح».
صلاح الدين الجورشي (إعلامي ومحلّل سياسي) : مبادرة ضرورية لتجاوز الاستقطاب والإقصاء المتبادل اعتبر المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ مقترح إنشاء مجلس حكماء يأتي في سياق إدراك بأنّ حالة الاستقطاب الثنائي قد بلغت أوجها في المرحلة الأخيرة وبالتالي هناك حاجة تتعلق بضرورة البحث عن صيغ توافقية لتجاوز المأزق الذي بدأ يتأكّد في علاقة الأطراف ببعضها، حكومة من جهة وخصوم لها من جهة أخرى. وقال الجورشي إنّ إيجاد مثل هذا الهيكل يمكن إذا تم منحه صلاحيات أن يساعد بأن يشرف على إطلاق حوار وطني يجمع أهمّ الأطراف الفاعلة ويدفع بهذا الحوار في الاتجاه الإيجابي أي إيجاد أرضية مشتركة تتعلق بكيفية إنجاح المرحلة الانتقالية الثانية. وأكّد الجورشي أنّه «لا بدّ أولا من حسن اختيار هذه الشخصيات التي يجب أن تتمتّع بالمصداقية وبالحيادية بمفهومها الإيجابي، وثانيا أن يتمتّع المجلس بصلاحيات وبفضاء لوجستي وباستقلالية عن الحكومة وكذلك عن المعارضة، وأن يكون الهدف بالإضافة إلى التقليل من حالات الاحتقان بلورة اقتراحات لإخراج الحياة السياسية من حالة الإقصاء المتبادل والتوتر، وأن تكون الحكومة داعمة لمثل هذا المبادرة وتتمتّع بالإرادة السياسية للتفاعل مع ما يمكن أن ينبثق عن هذا الهيكل من اقتراحات وتوصيات دون أن يعني ذلك أنّ هذا الهيكل يمكن أن يقلّل من أهمية المجلس الوطني التأسيسي ومن بقية أشكال التحاور التي تقوم بها مختلف الأطراف في مسارات متعدّدة».
أحمد المستيري : فكرة مقبولة من حيث المبدإ، لكن... قال الأستاذ أحمد المستيري إنّ فكرة بعث لجنة حكماء مقبولة من حيث المبدأ وهي تستحق الاهتمام ولكن الموضوع الأساسي هنا هو أن الطبقة السياسية بشكل عام يجب أن تقبل هذا العرض لأنه سبق أن عُرضت مثل هذه الفكرة سابقا فرُفضت ولم تأخذ حظّها. وأكّد المستيري ضرورة أن يتبلور محتوى هذه الفكرة حتى تأخذ صداها اللاّزم لكنّه أبدى تحفّظه من حيث قبول الفكرة والتعاطي معها إيجابيا من جانب الأطراف السياسية المعنيّة مشيرا إلى أنّه شخصيا لا يطمح إلى أن يكون له دور في هذا المجلس المزمع إنشاؤه ، وذكّر السياسي المخضرم بأنه كان قد نبّه منذ مرحلة ما قبل انتخابات 23 أكتوبر بأنّ «هناك أمورا أساسية يجب الاتفاق عليها، بحيث يجب أن نجتنب كل صيغ الحكم الفردي المطلق وكذلك تجنب الوقوع من الضد إلى الضد إذ ليس هناك حكومة مجالس منتخبة كما يشاع أن يكون الأمر، كما أنه من الضروري إزالة عدم الاستقرار النيابي (عوض أن يهتم المسؤولون بحل المسائل فهم يتلهون باختلافاتهم.) وأنه لابد من نظام حكم فيه توازن: توازن بين السلط والفصل بين السلط القضائية والتشريعية والتنفيذية.