بضعة أشهر مرّت على «حكاية إمارة سجنان» التي طفت حينها على سطح الأحداث ونالت نصيبها من التعاليق والتحاليل وما لفت الانتباه ساعتها هي أصوات المتباكين على وضع سجنان بعد أن خيّل إليهم أنها سقطت في براثن «التطرّف» حسب التوظيف الحداثي الجديد.
أصوات ارتفعت الى حدّ أن خيّل لأهالي الجهة أن قريتهم البربرية سيحولها دعاة الحداثة ومن ركب قطارهم من حقوقيين وإعلاميين الى جنّة ستنقلب معها حال منطقتهم من النقيض الى النقيض من الفقر الى الغنى ومن العزلة الى النماء.
المتباكون تحوّلت اهتماماتهم الى مناطق أخرى بقيت سجنان على حالها فها هي إحدى أكبر معتمديات ولاية بنزرت تعيش التهميش والنسيان فحوالي ال50 ألف ساكن 30 بالمائة منهم موزّعون في أريافها الوعرة حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مسالك مهيّئة، أما نخبتها ف800 منهم معطّلون عن العمل وغاباتها الشاسعة وشريطها الساحلي الذي يمتدّ على 50 كلم وعيون الماء الطبيعية التي تنبع بين صخورها.
سجنان بسدودها الراوية ومنطقتها السقوية التي تمسح 3700 هك وبمينائها البحري ومناجم الحديد والرصاص المغلقة بلا موجب حق. سجنان بمناطقها الأثرية التي تعود الى العهد الروماني ومحمياتها الطبيعية المصنّفة عالميا.
تنتظر مراجعة الخارطة الصحية وتأمل في بعث منطقة صناعية. مرضاها ينتظرون أن فليقا من الأطباء يعمرون مستشفاه المتواضع. سجنان التي تروي سدودها عددا من الولايات ينتظر سكانها أن يرتووا بالماء الصالح للشراب، وتنتظر أن تفكّ عزلتها بتهيئة الطريق عدد 15 وتحلم بإنشاء وحدات سياحية في كاب سيرات وسيدي مشرق وفي جبل الشيطانة وفي المحيبيس.
سجنان تحلم بفضّ إشكال الملكية العقارية الأكثر تعقيدا في الجمهورية. سجنان تحلم بإيجاد حل لمشكل الصرف الصحي وتحلم بمنشآت صناعية تستثمر ثروتها الخشبية وثرواتها الفلاحية من حليب وتبغ وعسل. سجنان تحلم بقرية حرفية وبسوق جملة.
سجنان تحلم بأن يلتفت إليها «المتباكون» حتى وإن لم تكن بها إمارة ولا أمير. فهل يتحقّق حلم سجنان أم تبقى تلك القرية البربرية السّاحرة حبيسة النسيان مهما تغيّر الزمان.