انتهت اليوم الاثنين الحملة الانتخابية لتشريعية الجزائر المزمع اجراؤها الخميس المقبل 10 ماي 2012 وسط أجواء اجتماعية متأزّمة ومقاطعة للاحزاب الاسلامية الراديكالية ما يفهم منه أن اصلاحات الرئيس بوتفليقة أصبحت في عنق الزجاجة. يمكن القول إن هناك شبه اجماع اليوم في الجزائر بين جميع الملاحظين السياسيين الذين يرون أن الحملة الانتخابية لتشريعية الجزائر لم ترتق للمستوى المأمول وتميّزت بخطاب سياسي متواضع وبرامج انتخابية هزيلة لا تعكس انتظارات الستة وثلاثين مليون جزائري وهو ما يؤكّد أن نسبة المشاركة في انتخابات الخميس المقبل سوف تكون ضعيفة مقارنة بآخر انتخابات تشريعية نظّمتها الجزائر في الثاني والتسعين من القرن الماضي والتي تسبّب إلغاء نتائجها في شبه حرب أهليّة أودت بحياة أكثر من 200 ألف جزائري واختفاء الالاف من المواطنين في ظروف غامضة.
وفي تقيييم أوّلي لبرامج ال 25 ألف مترشح للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في العاشر من ماي المقبل حيث قسّمت الصحافة الجزائرية هذه البرامج الى ثلاثة عناوين كبرى إمّا حاكت خطب بوتفليقة او الفارغة من أي محتوى وأخرى خيالية بعيدة عن الواقعية السياسية.
أحزاب في شكل لجان مساندة
إن كان مفهوما أن يتميّز البرنامج الانتخابي لحزب جبهة التحرير الوطني ذي الاغلبية المطلقة في المجلس الوطني الشعبي الحالي (البرلمان) وكذلك في الحكومة بخطاب وطني يرتكز على القيم التاريخية والثورية والدعوة للحفاظ على المكاسب التي حقّقتها الحركة سواء في معركة التحرير الوطني ضد المستعمر الفرنسي او بعد استقلال الجزائر فإن المثير للانتباه هو دفاع عشرات الاحزاب الاخرى عن خيارات السلطة وانجازات الحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ تولّيه الحكم سنة 1999 وكان المنجز الأمني أهم نقطة اعتمدت عليها تلك الأحزاب القريبة من الحكومة الحالية لابراز الدور التاريخي الذي لعبه الرئيس بوتفليقة في انهاء الانفلات الأمني والحرب الاهلية التي عانت منها الجزائر طيلة ما يقارب العقدين.
هذا الدفاع المستميت عن الحكومة دفع بالملاحظين السياسيين في الجزائر الى تشبيه تلك الاحزاب بلجان مساندة أعادت انتاج خطاب الرئيس الجزائري الذي دعا فيه الى ضرورة اجراء اصلاحات جذرية في الحياة السياسية في الجزائر عبر تنظيم انتخابات تشريعية تفضي الى برلمان جديد ستكون من أوكد أولوياته مراجعة الدستور الحالي بما يتماشى وانتظارات الشعب الجزائري ويكرّس النهج الديمقراطي ويضمن الحريات العامة والفردية. وتحذر هذه الاحزاب القريبة من الرئيس بوتفليقة من مغبّة التحذير القادم من الخارج وضرورة الحفاظ على استقرار الجزائر وابعادها عن تأثيرات ما يسمّى بالربيع العربي وهو ما أكّده الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم حين قال: «إننا نرفض أي تدخّل أجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر وندعو الجزائريين للمشاركة بكثافة في الانتخابات تأكيدا لمسار الاصلاح الذي اتخذه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكذلك لابعاد أي شكوك دولية في ما يتعلّق بنزاهة وشفافية الاقتراع».
ومع جديّة هذه الاحزاب في الدفاع عن برامجها الانتخابية سجّلت الحملة التي تواصلت على مدى 16 يوما ضعفا وابتذالا في برامج بعض الاحزاب الاخرى حيث لوحظ افتقار بعض المرشحين للحد الأدنى من الثقافة السياسية وجهل حتى بتاريخ الجزائر الامر الذي دفع بصحفيّ جزائري الى القول: «هؤلاء لا يستطيعون تركيب جملة مفيدة فكيف سيحكمون 36 مليون مواطن».
على أن الملفت للانتباه هو الوعود والبرامج الخيالية لبعض المرشحين وان بعض من ترشحوا لانتخابات المجلس التأسيسي في تونس قد وعدوا بمجانية النقل ومنح للزواج والتخفيض في سعر الخبز الى مائة مليم ففي الجزائر هناك مرشحون اتّسموا بخيال أوسع واعدين بالترفيع في الأجور الى ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن وبالتخفيض في سعر السيارات الى عشر ثمنها الحالي وحتى بمجانية البنزين والكهرباء وهي برامج قال عنها المراقبون إنها تفتقد للواقعية السياسية ما يجعلها قريبة من أفلام الخيال العلمي.
تقاطع ومقاطعة...
الى ذلك أبرزت الحملة الانتخابية ثلاثة خطابات تقاطعت في الرؤى والمواقف والمرجعية ففي حين شنّت الاحزاب الديمقراطية حملة شرسة ضد الاحزاب الاسلامية الراديكالية ذهبت أحزاب أخرى الى اتخاذ مواقف غير منتظرة بعد أن قرّرت ببساطة مقاطعة الانتخابات كجبهة الانقاذ الوطني (FIS) وكذلك حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وهو حزب علماني بربري الامر الذي أربك السلطة التي أبدت قلقها من تلك المقاطعة خاصة وقد تزامنت مع حركة احتجاجية اجتماعية قادتها النقابات المستقلّة خلال الاسبوع الماضي وعلت وتيرتها على الانترنات ودفعت بالسلطة الى اعتقال العديد من النشطاء على غرار المدوّن عمراني من حيّ باب الواد بالجزائر العاصمة والنقابي المستقل عبد الواحد خربة.
في الأثناء واصل زعيم التجمّع الوطني الديمقراطي والوزير الاول الجزائري الحالي أحمد أويحيى وزعيم حزب العمال وزعيم الحركة الشعبية الجزائرية هجوماتهم ضد الاحزاب الاسلامية متهمينها بالاعتماد على أموال مشبوهة متأتية من الخارج محذّرين ممن وصفوهم ب «الظلاميين والأصوليين وأصحاب اللحي والجلباب والقميص الافغاني».
في المقابل ردّت الاحزاب الاسلامية الستة المشكّلة للتيار الاسلامي بابراز مساهمتها في المصالحة الوطنية واستعدادها لتأكيد المسار الديمقراطي.وبين التيارين يبقى خطاب حزب جبهة القوى الاشتراكية بقيادة المعارض التاريخي «حسين آيت أحمد» الذي يعيش في سويسرا منذ 40 عاما الاقرب من قلب المواطن الجزائري مركّزا في حملته الانتخابية على مسائل تتعلّق بالسيادة والاستقلال والتغيير السلمي باحداث قطيعة مع المرحلة السابقة بكل رموزها ومكوّناتها والواضح أن انتخابات الخميس المقبل لن تحدّد فقط مستقبل الجزائر بل مستقبل المنطقة بأكملها وربّما ستفضي الى انتصار الاسلاميين محاكاة لما حصل في تونس والمغرب.