عاشت سوريا أمس يوما استثنائيا بكل المقاييس, ذلك أن الاستحقاق الانتخابي التشريعي سجل حضوره بقوة واستقطب إليه اهتماما محليا وإقليميا ودوليا سواء من الأطراف المنخرطة للعملية الانتخابية والمؤيدة لها أو المقاطعة لها. إذن كانت سوريا عامة وبالتحديد دمشق مساحة تجوالنا أمس الاثنين حيال استحقاق انتخابي شعبي يرى مراقبون أنه سيكشف عدة أمور وحقائق لعل أهمها قدرة الدولة السورية على إجراء انتخابات في كافة محافظاتها وبلدياتها المتوترة منها والهادئة إضافة إلى البرهنة الفعلية من عدمها في الانخراط صلب الانتقال الديمقراطي والتعددية السياسية المنشودة من طرف الشعب السوري.
وما بين الغرب وبعض الدول العربية والمعارضة السورية في الخارج التي تشكك في حقيقة التكريس الفعلي للإصلاحات في سوريا من جهة, والدولة السورية ومعها كامل محور الممانعة والدول ذات الاستقلالية الاقتصادية والسياسية والتي تشدد على حقيقة التزام القيادة السورية بالإصلاحات خطابا وممارسة من جهة ثانية, كان الكرة أمس الاثنين في ملعب الشعب السوري ليقول الكلمة النهائية في مفصل سياسي مهم في حياة الشعب السوري.
مراكز الانتخابات في العاصمة دمشق التي فتحت أبوابها باكرا وأغلقتها في ساعة متأخرة من البارحة , شهدت إقبالا محترما للغاية تفاوتت درجاته بين الفترة الصباحية التي كان الإقبال خلالها متوسطا والفترة المسائية التي بلغت درجة الإقبال عندها إلى مستويات ملحوظة.
مركز محافظة دمشق الواقع في قلب العاصمة السورية كان بمثابة خلية نحل انتخابية على مدار اليوم بعد أن تقاطرت عليه أعداد كبيرة من الناخبين واكتظت قاعات التصويت بالمشاركين في الاقتراع , يضاف لهذا المركز مراكز أخرى في ريف دمشق وفي ضواحي العاصمة حضرت «الشروق» على جزء من التصويت في مراكزها الذي أي التصويت لم يشهد أعمال عنف أو تفجيرات أو مظاهرات مناوئة للانتخابات على الأقل في العاصمة السورية .
«الالتزام الوطني», «الشفافية», «حب الوطن», «عدم بيع سوريا للأجنبي», مفردات سمعتها الشروق من معظم الناخبين الذين التقتهم «الشروق» في إطلالة إعلامية حرة وفردية على مراكز الاقتراع .. والذين يصرون على التشديد بأن سوريا ليست للبيع أبدا وأن الإصلاحات لا تكون إلا تحت سقف الوطن وتحت سيادته أيضا.. يريد السوريون طي صفحة البرلمانات القديمة ويضعونها في سياق سياسي شامل ينتقدونه ويستفيدون أيضا من بعض ملامحه, ولكنهم واثقون بأن العملية السياسية الانتخابية التشريعية وإن لم تصل إلى مستوى الكمال وتشوبها بعض الملاحظات إلا أنها الطريق الصحيح والقاطرة لوضع سوريا على السكة الإصلاحية والتعددية السياسية.
وهم واعون أيضا بأن الاستحقاق التشريعي التعددي الذي جاء بعد الاستحقاق الدستوري الجديد والانتخابات البلدية من شأنه أن يكون لبنة مهمة من لبنات الانتقال الديمقراطي ولكنهم على إدراك تام بأن الديمقراطية هي ثقافة تتراكمها الأجيال وترسخها السنوات والعقود, تبدأ بالمشاركة المادية في فعل الانتخاب وتنتهي بالتحول إلى منظومة ثقافية وسياسية متجذرة في السلوك الجمعي...
وهم على يقين أيضا بأن الديمقراطية لا تكون ذا بال إلا إذا تحركت داخل منظومة إصلاحية متكاملة لا تلغي أي جانب من الجوانب العامة . هنا يقول السيد جمال القادري ل«الشروق» رئيس اتحاد عمال دمشق المنظمة النقابية العمالية أن على المجلس القادم أن يلامس هموم الناس وأن يعكس تطلعات الشباب للعمل والحياة الكريمة وأن ينشلهم من البطالة والفقر.
ويضيف في حوار سننشر تفاصيله في عدد قادم أن جزء من الأزمة اجتماعي وأجزاء كبيرة من المؤامرة على سوريا اقتصادية عبر العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري لذا فعلى مجلس الشعب أن يزيد من تحصين البلاد داخليا وخارجيا وأن يحول دون تنفيذ المخططات الرامية إلى تفتيت الشام إلى أجزاء طائفية. وإلى حين الاكتمال النهائي لصورة المشهد التشريعي القادم في سوريا وصدور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية, يبقى السؤال المهم والرهان الأهم الملقى على عاتق النواب الجدد.. الخروج بسوريا من الأزمة الحالية بأقل التكاليف وبأحسن النتائج محليا وإقليميا ودوليا.