تناقلت العديد من الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي يوم أمس مسألة الفارق بين عدد النواب الحاضرين في جلسة مناقشة قانون المالية التكميلي وعدد المصوتين، ولم يجد الكثير من الناشطين أي حرج في وصف ما حدث بأنه تدليس وطالبوا بالتحقيق في الحادثة. ناشطون كثيرون محايدون أو خارج التصنيف السياسي تناقلوا بكثافة صور نائبين بالمجلس في وضع يبدو كل منهما فيه بصدد الضغط مرتين في نفس الوقت على زر التصويت، غير أن أكثر المستفيدين والمروجين لهذه المسألة هم أنصار النهضة، ذلك أن النائبين المتهمين هما من المعارضة. في الواقع، تبدو الصور التي تم ترويجها عن هذه الحادثة صغيرة ولا يمكن الجزم فيها لا بهوية النائبين ولا بحقيقة ما يفعلان، لكن من روج لمسألة تزييف التصويت بدا متأكدا من ذلك، خصوصا بعد نشر رد من النائب إياد الدهماني المتهم بأنه قد «صوت مرتين»، وجاء في رد نشره في صفحته ما يلي: «يبدو أن حملة التشويه من مليشيات النهضة ضدي انطلقت مبكرا، لقد خبرنا هذه الأساليب في تشويه معارضيها في الحملة الانتخابية، الفيديو المنشور على الانترنت واضح حيث نرى بكل وضوح النائبة نورا بن حسين، عن كتلة المؤتمر، التي تجلس عادة على يميني وهي تطلب مني التصويت، نظرا لأنها لم تكن جالسة في مكانها، أساليب مليشيات النهضة على الفايسبوك واضحة، الرجاء من أصدقائي من الديمقراطيين الوقوف أمام حملة التشويه هذه»، غير أن حقوقيين وناشطين سياسيين من عدة اتجاهات اعتبروا أن مجرد قبوله التصويت بدل زميلته خطأ فادح، حتى أن حقوقيا كتب تعليقا على ذلك: «لماذا انتخبناها إذا كانت ستفوض نائبا آخر للتصويت ؟ ولماذا يدفع لها الشعب أجرها ؟ النائب لا يملك إلا صوته فكيف يسلم فيه لغيره من حزب آخر مخالف؟». ينشر بعض الناشطين صور اللوح الالكتروني للتصويت في المجلس، حيث يبدو العدد الجملي للمصوتين 162 نائبا، لكن السيد مصطفى بن جعفر يقول إن 146 نائبا فقط حضروا الجلسة، يعني أن 16 نائبا قد تولوا التصويت مرتين، ويستغل ناشطو النهضة هذه الواقعة لاتهام نواب المعارضة، وشن حملة تشويه ضارية ضد بعض الأسماء المعروفة بشدة معارضتها للحكومة. ومن أطرف ما قرأنا في الصفحات التونسية عن هذا الموضوع ما كتبته ناشطة حقوقية: «سمعنا في السابق عن انتخابات يشارك فيها الموتى، أما أن يشارك الأشباح فهي مسألة جديدة، يعني سواء حضر النائب أم لم يحضر، ثمة من يصوت في مكانه».
وكما هي عادة التونسيين في الموقع الاجتماعي، فقد تم تسييس الحادثة، وانقسمت الصفحات حولها، وتوسع النقاش حين شنت صفحات المعارضة حملة على أنصار الحكومة واتهامها بتمرير فصول في قانون المالية التكميلي تخدم مصالح رجال أعمال فاسدين. كتب ناشط يساري معروف تحت عنوان «فضيحة خطيرة»: «المهازل مستمرة، محاسبة الفاسدين ستكون في العالم الآخر والحكومة الغالية تخدم رجال الأعمال المستفيدين من هذا القانون، هذه هي الليبرالية الثورية بامتياز»، غير أن مسألة «التزوير» في التصويت في المجلس كما يسميها ناشطو النهضة سريعا ما تعود إلى واجهة الصفحات، لكن لا أحد من هؤلاء الناشطين نشر شيئا عن الإجراءات الحقيقية في المجلس بخصوص التثبت في ما حصل أثناء التصويت، وما إذا كان نواب النهضة أو طرف آخر قد قدموا احترازا قانونيا في هذا الموضوع. وفي الأثناء، يتم تسييس المعركة كعادة التونسيين ويستغلها آخرون لنشر السباب والشتائم وهي أشياء نجنبكم قراءتها هنا على الأقل.