لم ينفع نشر الصور التي تبين تأثر وحزن السيد علي العريض في مجلس النواب في تخفيف حدة الحملة الضارية التي يشنها نشطاء المعارضة عليه وعلى جهاز الأمن الذي يتهمونه باستخدام العنف المفرط والمليشيا في قمع المتظاهرين. يوم أمس، أخذت مداولات المجلس التأسيسي طريقها بسرعة إلى صفحات الموقع الاجتماعي، وتباهى ناشطو النهضة بوزير الداخلية، «رجل الدولة» كما يسمونه وهم ينشرون مقطع فيديو له يبدو فيه شديد التأثر خصوصا عندما تحدث نائب من النهضة عن رفضه للعنف وهو الذي عرف الطوابق السفلية لوزارة الداخلية قبل أن يصبح سيد طوابقها العليا، وكتب ناشطون كثيرون أن السيد علي العريض قد غلبته دموعه من التأثر، لكن صور مقاطع الفيديو لم تكن بالوضوح الذي يثبت ذلك. كما تباهى ناشطو النهضة بالتدخل الصارم لإحدى نائبات النهضة ضد زميلها الذي اتهمته بالمس من هيبة المجلس وهو ما جعل أغلب زملائها يقفون لأداء النشيد الوطني. غير أن كل ذلك لم يكف لإخماد نيران المعركة الدامية بين المعارضة والنهضة في الصفحات التونسية، واستمر نشطاء المعارضة في نشر صور ومقاطع فيديو تثبت تورط أشخاص غرباء عن جهاز الأمن في قمع مظاهرة يوم التاسع من أفريل. كما وجدت تصريحات أحد ضباط الأمن في قناة تلفزية خاصة طريقها إلى صفحات المعارضة خصوصا وقد أكد هذا الضابط عندما اطلع على بعض صور هؤلاء الأشخاص أنهم لا ينتمون لجهاز الأمن. وبدت وزارة الداخلية ومعها السيد علي العريض في قلب ورطة لا ينكرها حتى العديد من نشطاء النهضة وهي ورطة حضور «مليشيا» لقمع المتظاهرين. يكتب ناشط طلابي من اليسار: «إذن من هم ؟ من جاء بهم ؟ كيف يسمح جهاز الأمن لأشخاص غرباء بالتسلح بالعصي لمرافقته في عمله ؟». ويستغل نشطاء المعارضة هذه الصور لنشر هويات الكثير من الأشخاص الذين يظهرون وهم بصدد ملاحقة المتظاهرين أو الاعتداء عليهم مع نشر تعاليق تفيد أن «الداخلية تعرف أسماءهم وكثيرون منهم كانوا ضمن مليشيات التجمع في نظام بن علي، لكنها لن تحاسبهم». وفي ظل هذا الوضع، لا تبدو الأزمة بين المعارضة والنهضة على باب الحل، وكثير من صفحات المعارضة تصر على المطالبة بمحاكمة المسؤولين عما حدث يوم التاسع من أفريل، كما قرأنا في صفحات ناشطين حقوقيين محايدين مطالبة واضحة بالاعتبار مما حدث. كتب حقوقي من جامعة سوسة في صفحته: «الحد الأدنى هو يكون ما حدث فرصة لفتح موضوع تعامل أعوان الأمن مع المواطن، لكي تكون العلاقة خاضعة للقانون الواضح، لكي لا يتعرض أحد للاعتداء مرة أخرى، لكي لا يكون تدخل الأمن مشوبا بالغموض والأشياء المشبوهة مثل حضور المليشيات». وعبرت العشرات من الصفحات المعروفة بحيادها عن ذلك. إذ قرأنا تعاليق ومقالات تدعو إلى المحاسبة، محاسبة إطارات الأمن ووزير الداخلية، وتم نشر قرار منسوب للرابطة الدولية لحقوق الإنسان في تونس تعلن فيه عن تكوين لجنة من الحقوقيين والمختصين لتلقي الشهادات وبلاغات الشكوى عن العنف أثناء مظاهرة التاسع من أفريل. وترد صفحات النهضة بنشر تصريح منسوب للأستاذ عياض بن عاشور جاء فيه أن قرار وزير الداخلية بمنع التظاهر في الشارع الرئيس قانوني ولا يجوز الخروج عنه وأن من خرجوا لشارع بورقيبة من رجال القانون ودعوا للتمرد على قرارات السلطة الإدارية هم أولائك الذين يسعون لاسترضاء الناس وإن كان على حساب الحق والقانون. لن تنتهي الأزمة على ما يبدو، خصوصا بالنظر إلى استعداد المعارضة لدعم عدة مسيرات قادمة، أهمها ينتظر أن تكون يوم غرة ماي أي يوم عيد الشغل الذي ينتظر أن ينظم اتحاد الشغل فيه تظاهرات وطنية، وعندها، وإذا ما استمر التوتر والتحريض على ما هو عليه، فلن يكون الشارع ملكا لأحد.