أريد أن أحاكم، لماذا؟ للأسباب التالية: منذ سنوات وحتى قبل 14 جانفي 2011 بكثير كنت أوجه نقدي تجاه الطريقة التي تتم بها تحية العلم المفدى بالمعهد الذي أدرس به منذ 1998، ففضلا عما كان يبث من أغان هابطة قبيل التحية الصباحية، والتي كانت تبثها من كانت تعرف بالاذاعة المدرسية ظاهرا والشبيبة الدستورية باطنا، لاحظت أنه وفي 99٪ من أيام الدراسة يقع تكليف فتاتين برفع العلم المفدى وقد أبديت ملاحظتي للعديد من المديرين على أن هذه الظاهرة ليست صدفة بل تعكس ذهنية بأكملها.
وهي الذهنية التي تعود الى رواسب البداوة والاقطاع. فالأولى تلزم الأنثى بالقيام بأغلب الأعمال التي لها علاقة بالواجبات الأسرية لا من باب احترامها بل من باب استعبادها والسماح للذكر براحة تكاد تكون مطلقة، فيتفرغ غالبا للكسل ولعب الورق... والثانية تتميز باحتقار الأنثى التي تكبل بالواجبات بينما يلعب الرجل دور السيد الذي يكاد يكون إلها (بعلا).
وقد ذهبت ملاحظاتي أدراج الرياح، بل اعتبر بعض المتعاطفين جهرا والمنتمين سرا الى الحركات الأصولية المتطرفة أن ما قلته مجرد دعاية لعلماني يريد تمرير خطابه دفاعا عن مجلة الأحوال الشخصية. ولا غرابة إذا كانت ثقافة بعضهم لا تتجاوز أوهام جدتي بأن يروا في العلمانية إلحادا بالضرورة، وفي الدفاع عن مجلة الأحوال الشخصية شذوذا فكريا. وغاب عنهم أن تفاقم ظاهرة الفشل الأنثوي في الدراسة خلال ستينات وسبعنيات القرن الماضي ناتجة عن إيديولوجيا بدائية متخلفة كانت تهيؤ الأنثى للانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة وتهيئتها للزواج، وانعكست الوضعية حاليا بما أن الأحفاد ورغم تعلمهم مازالوا يحملون رواسب رجعية الأجداد.
فالجيل الجديد لم يعد يضغط على الأنثى لكي تنقطع وهذا ايجابي. ولكن بقدر ما يلزم الأنثى بالعديد من الواجبات والضوابط. يترك الحبل على الغارب بالنسبة للذكور الذين تعج بهم المقاهي والملاعب وتكثر غياباتهم عن ساعات الدرس، والولي مطمئن بما أن الذكر «لا خوف عليه» والنتيجة مجتمع مريض وغير متوازن ماضيا وحاضرا وأبسط الأرقام تدل على ذلك، هل اهتمت وزارة التربية بهذا الوضع الكارثي؟ لا بالطبع. فمنذ سنين أهملت الدولة هذا القطاع فتفاقمت أمراضه وما ذكرت ليس سوى قطر من فيض. وتبعا لما تقدم أرجو محاكمتي وأنا الذي قضيت ما يقارب الثلاثين سنة في التدريس لأنني أحيي العلم المفدّى بمعهدي، إلا إذا تغيرت هذه الوضعية.