بعد الانقسام الذي شهده حزب المؤتمر، وبعد الأضرار الكبيرة التي مسّت من صورة ناشطيه، وبعد الاتهام الواضح من شق عبد الرؤوف العيادي للشق الحكومي في الحزب، وهو اتهام انجرّت عنه وتخلّلته لغة سباب وشتيمة لا سقف لها ولا كابح، بعد ذلك كله حزم الفريق الأخير أمره ومرّ ليس إلى ردّ الاتهامات فقط والتبرّؤ منها، بل إلى مشاريع وخطاب تصعيدي تمثلت خصوصا في تصدر المستشار القانوني للرئيس المؤقت لمشروع إقصاء الدستوريين من العمل السياسي، وفي لغة وزير أملاك الدولة خلال حوار تلفزي أخير له أقصى خلالها كل امكانية للصلح مع رجال الأعمال وفي ختم الناطق الرسمي للرئاسة المؤقتة لهذا التوجه باطلاقه للنار صوب الحكومة ذاتها.
هذا الأمر تشرحه عدّة أسباب، أولها إيمان ناشطي حزب المؤتمر بأن خطاب «القطيعة» التصعيدي هو خطاب يجد كل الرواج لدى شق كبير من الرأي العام أي من الناخبين. ولولا هذا الخطاب لما تحول حزب «جنيني» يعدّ أناسه على أصابع اليد إلى ثاني حزب بعد الاعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي.
وثانيها أي ثاني الأسباب هو بروز شق عبد الرؤوف العيادي كحامل للواء الثورة وانخراط الشق الآخر في بيروقراطية الدولة وصفقاتها، أي كغريم للثورة. وفي هذه الحالة وجب المزايدة على شق العيادي وهو ما أوصل الناطق الرسمي باسم الرئاسة الى حدّ اتهام الحكومة كلها والمزايدة عليها هي بدورها مستعملا من الأفكار ما يجعل الثورة فوق كل شيء وقبل كل شيء ومن المصطلحات ما يشير الى كل أشكال التطرف وكل أنواع الغلو.
إن المهتمين بشأن حزب المؤتمر يعلمون يقينا أن صورة الحزب وأفراده قد اهتزت أيّما اهتزاز وأن السبب في ذلك هو عناصر قيادية وتاريخية في الحزب نفسه مما يجعل من وطأة الأمر شديدة ومن تأثيراته عظيمة، لذلك فإنه لا بدّ من حلّ، وقد وجد هؤلاء الحل في خطاب التصعيد والقطيعة وفي الترويج لمشاريع قد تضمن المصلحة الحزبية وإن لفترة ولكنها تتناقض أيّما تناقض مع المصلحة الوطنية.
وتلقى في هذا الصدد أسئلة أخرى منها، هل مازال خطاب ما قبل 23 أكتوبر صالحا للفترة القادمة؟ أي هل يضمن ذلك الخطاب مرة أخرى أصوات الناخبين خصوصا أنه يأتي من طرف في الحكم لن يحاسب هذه المرة على موقفه من تاريخ قديم بل هو سوف يُحاسب على مرحلة هو شريك فيها وفاعل؟ وهل مازال الناس يأبهون بما لم يكن ممكنا تحقيقه في الفترات السابقة أم هم سوف يهتمون بما تحقق لهم بعد 23 أكتوبر؟
وهل سوف يصدق الناس أن طرفا في الحكم يمكن أن يكون في نفس الوقت صوتا لمعارضة كما يسعى لذلك طرف في الشق «الحكومي» المؤتمرين؟ ان في هذا السعي تكريسا لذلك المثل الفرنسي الشائع «الزبدة وثمن الزبدة» (Le beurre et l›argent du beurre) ثم وهذا الأهم فإن الذي حصل اليوم لدى المراقبين والمهتمين بمثل هذا الخطاب وتلك المواقف، هو اعتقاد بأن في هذا الأمر إعلانا بالايحاء عن تميّز بين «المؤتمر» وعضوي الترويكا الآخرين. وفي هذا تحامل على هذين الطرفين وربما تشويه أيضا. والسؤال الكبير الذي يلقى الآن هو المتمثل في التالي: هل ستقف مثل هذه «المغامرات» عند هذا الحدّ أم أن الأمور ستسير بالمؤتمر الى مغامرة أخرى كبيرة ربما توّجت بفض ارتباط حقيقي مع الحليفين خصوصا أن فض الارتباط السياسي واضح جليّ؟