يعيش قطاع مقاطع الرخام في تالة هذه الأيام أزمة كبيرة بسبب ما راج مؤخّرا عن عودة بعض من المحسوبين على عائلات الفساد في العهد البائد من حاشية المخلوع وأصهاره لبسط نفوذهم على ثروات هذه الجهة. وبعد أن تمّ التفويت لعائلات مقرّبة من النظام السابق في العديد من مقاطع الرّخام دون وجه حقّ استطاع الكثيرون منهم الاستيلاء على أراض على ملك مواطنين بتعلات مختلفة تحميها قوانين قيل لنا أنّها صيغت على مقاسهم، فخرّبوا الأراضي تخريبا ومزّقوا أوصال التلال تمزيقا متوحّشا غير عابئين بما تركته رغبتهم الجامحة في جمع المال من آثار بيئيّة عميقة، ودون أنّ تستفيد المدينة من هذه الثّروة الطّبيعية.
وبوادر الأزمة ليست وليدة اليوم بل تعود إلى سنوات خلت حيث اشتكى المتضرّرون إلى الجهات المعنية ذات الصّلة لإعادة أراضيهم المسلوبة منهم عنوة أو تحت غطاء «أملاك الدّولة» وجوبهت شكاوى البعض منهم بالرّفض واللاّمبالاة في الكثير من الأحيان واضطر آخرون تحت ضغوطات متعدّدة إلى إبرام عقود كراء أ وتسويغ بمبالغ مالية لا تعكس حجم الثّروة المسوغة.
وقد ارتفع سقف هذه الأزمة في الأيام القليلة الماضية حيث عمد بعض المواطنين في جهة الدشرة إلى غلق الطريق الوطنية رقم 17 احتجاجا على عدم تسوية وضعية مقطع «الدشرة» الذي يطالب أصحابه الشرعيون كما يدعون بتمكينهم من هذا المقطع وكذلك غلق نفس الطّريق في الجهة الجنوبية من مدينة تالة من قبل متساكني الكبّاسي الذين اشتكوا من الضرر الكبير الذي لحق منازلهم التي أصبحت مهّددة بالسقوط من جرّاء عمل كاسحات الصّخور، وكذلك من عدم تحوز أصحاب هذه المقاطع برخص تسمح لهم باستغلالها. الثروة الرخامية الهائلة التي تمتلكها مدينة تالة لم تستفد منها الجهة لا على مستوى التشغيل حيث لا يتجاوز عدد العمّال في كلّ المقاطع التي تعدّ بالعشرات والمصانع التحويلية بضع العشرات ولا على مستوى الآثار المالية التي من المفروض أن تساهم في دفع مسار التنمية داخل المعتمدية، ناهيك عن الأضرار البيئية الجسيمة التي تجاوزت آثارها الأشجار الغابية إلى الحقول السقوية والأشجار المثمرة هذا بالإضافة إلى الاستغلال السيئ لهذه الثروة التي لا تتجاوز نسبة الاستفادة منها 30 بالمائة، فكل الأحجار المستخرجة تحمل فوق الشاحنات الكبرى لترسو في الموانئ لتصديرها إلى الخارج في حين ينال الجهة دمار في بنية الطّرقات الهشّة وتخريب في التلال والجبال وكذلك المخاطر الكبيرة التي يمثّلها عبور هذه الشاحنات وسط المدينة حيث لطالما خلّفت مآسي من جراء فقدان التّحكم في الفرامل عند المنحدر الجنوبي.
ويرى العديد من الذين تحدّثنا معهم أنّ قطاع استغلال مقاطع الرخام لم يرق إلى ما تنتظره الجهة منه فيما يتعلّق بالتوظيف الجيّد لهذه الثروة، حيث يجب أوّلا أنّ يتمّ تصنيع هذه المادّة في مكانها وكذلك استغلال الأجزاء المهملة من بقايا الأحجار المستعملة في صناعات حرفية جديدة بالاعتماد على ذوي الاختصاص وتمكين أبناء الجهة ممن غادروا مقاعد الدراسة من تلقي تكوين في هذا المجال كذلك يرى البعض أنّ على البلدية فرض أداء على الشّاحنات الكثيرة التي تخرج يوميّا من الجهة محمّلة بالرخام لدعم مداخيلها كما يرى آخرون أنّ مجالات الاستثمار في هذه الثّروة كثيرة جدّا بحيث يجب الاستئناس بخبرات الدول التي تملك مثلها واستقدام بعض الخبراء إن لزم الأمر للاستفادة من تجاربهم في صناعة الرخام.