خفضت مؤسسة «ستاندرد اند بورز» التصنيف الائتماني السيادي لتونس بمقدار درجتين وأرجعت المؤسسة هذا التخفيض إلى أن مؤشرات الاقتصاد والمالية العامة والدين الخارجي أضعف من المتوقع، في المقابل قال التقرير أنّ رصيد تونس من العملة الأجنبيّة في تحسّن..كيف تُفسّر هذه المفارقة؟ «ستاندرد اند بورز» هي شركة خدمات مالية مقرها في الولاياتالمتحدة. وهي فرع لشركات «مكغرو هيل» التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات..
وكانت قد اعلنت في اوت 2011 عن مراجعة تصنيف تونس، من «ب ب ب سلبي» مع آفاق مستقرة إلى «ب ب ب سلبي» مع آفاق سلبية، وهي المرة الثانية في ستة أشهر، بعد أن سبق لنفس الوكالة أن قامت في شهر مارس من نفس السنة بتخفيض التصنيف بدرجة واحدة.
وقالت « ستاندرد اند بورز» أنها لا تعتقد أن «الحكومة الانتقالية التونسية التي تولت السلطة منذ ديسمبر 2011 ستكون قادرة على اتخاذ إجراءات تصحيحية تخولها تصنيفا في الدرجة الاستثمارية في ظل تراجع الأحوال الاقتصادية والمالية.»..وهذا ما يبعث برسائل سلبية الى رجال الاعمال الاجانب الراغبين في الاستثمار في تونس باعتبار ان الاقتصاد التونسي اصبح حقل مخاطر ويضع الاقتصاد التونسي في اشكال بنيوي باعتبار انه يعتمد بشكل كبير على الاقتراض ويعول على الراسمال الاجنبي في دفع الحركية الاقتصادية والتشغيل.
المنصف شيخ روحو : تخفيض التصنيف ليس «كارثة» بل دافعا للعمل
قال الخبير الاقتصادي ونائب المجلس التأسيسي المنصف شيخ روحه انه حسب التقرير الذي اصدرته «ستاندرد اند بورز» فإن المسار الديمقراطي ناجح لكن النمو الاقتصادي غير متوفر وهذا ما يؤثر على الديون الخارجية ووضّح ان ثلثي الديون الخارجية لتونس هي ديون من الدول والبنوك وبالتوافق وهذه الديون لن تتاثر بتخفيض التصنيف ,لكن الديون التي تتاثر بهذا التصنيف تمثل الثلث وتتمثل في القروض الموجهة للاسواق والتي سترتفع نسبة الفائدة فيها.
واشار المنصف شيخ روحه الى ضرورة ان يلتقي كل التونسيين على المحافظة على الاقتصاد وعدم كسره واوضح ان الامر الايجابي في تخفيض تصنيف تونس يتمثل في انه عند تخفيض نقطة في السنة الماضية كان يُنظر الى الاقتصاد على اساس انه سلبي بينما الان تعتبر افاق الاقتصاد التونسي مستقرة ..واعتبر ان تخفيض تصنيف تونس الى هذا المستوى يجعل الكل لا ينتظر ان ينزل التصنيف الى اكثر من هذا.
واضاف المنصف شيخ روحه ان هذا الامر ليس شديد الخطورة على الاستثمار الاجنبي باعتبار ان المستثمر الاجنبي قاعدته ليست تونس بل بلده الذي اقترض منه ..واوضح ان ما يمثل خطرا بالنسبة للمستثمر الاجنبي ان تكون تونس عاجزة عن تسديد ديونها الخارجية.
واشار الى ان التقرير تضمن ايضا تحسن رصيد تونس من العملة الاجنبية في البنك المركزي وهذا نتيجة لتطور القطاع السياحي والصادرات غير الميكانيكية واعتبر ان هذه الارقام ستتدعم خاصة مع الموسم الفلاحي الايجابي . كما اضاف انه متفائل قائلا «بعد ثلاث سنوات ستعود تونس الى نسق الارتفاع ..ويجب ان لا نعتبر ان هذه المؤشرات كارثة بل فرصة للعمل والتخفيض من الاحتقان .
عز الدين سعيدان : القدرات المحلية للاقتصاد التونسي عاجزة عن حل اشكالية التشغيل قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان ان تقييم الوكالات الدولية لقدرة الاقتصاد التونسي على الايفاء بوعوده يبعث برسائل سلبية للمستثمرين وذلك بتحديد نوع المخاطر واشار الى انه مع الاسف تم التخفيض في التصنيف مرة اخرى وهو ما يرفع المخاطر في الاقتصاد التونسي الذي انتقل من تصنيف البلدان القادرة على الايفاء بوعودها الى نوعية البلدان التي يصبح المتعامل معها وكانه «مضارب»..واضاف ان مراجعة التصنيف تدعم شكوك المستثمرين في قدرة واستقرار الاقتصاد التونسي وهو ما يدفع الى تقلص هذا الاستثمار.
كما اضاف ان اقتراض تونس من الجهات الاجنبية سيصبح اكثر صعوبة ويكون بتكلفة اكبر..واشار الى ان الدراسات اكدت انه لو تعوّل تونس على القدرات المحلية لن تستطيع تجاوز نسبة نمو مقدرة ب2 بالمائة وهذه النسبة لن تحل مشاكل التشغيل الذي يتطلب نسبة نمو تقدر ب7 بالمائة.
عبد الستار المبخوت : تونس كانت تزوّر الأرقام قال الخبير الاقتصادي عبد الستار المبخوت ان أي دولة ترغب في الحصول على تمويلات من السوق المالية على شكل ديون يحملها اعباء مالية وفوائد تعود للجهة المقرضة ..وكلما ارتفعت المخاطر كلما ارتفعت نسبة الفائدة ..واشار الى انه عندما ينخفض تصنيف دولة فان هذا التخفيض يؤثر على كلفة الاقتراض ويؤثر على اصحاب المشاريع الراغبين في الاستثمار في تونس ويقدم لهم رسائل حول مناخ الاقتصاد الذي كلما انخفض ترتيبه ارتفعت السلبيات والمخاطر ..وارجع هذا الى غياب الرؤية وعدم اليقين والوضوح.
كما اضاف عبد الستار مبخوت «انا لا استغرب تخفيض التصنيف لاننا في مرحلة ثورة» واشار الى ان الارقام في الفترة السابقة غير شفافة والمشهد السياسي يتميز بالخبث والتعامل مع جهات معينة تمكّن من الحصول على قروض بفوائض ضئيلة.
واوضح ان البنك الدولي كان ياخذ الارقام من البنك المركزي التونسي ومعهد الاحصاء وتلك الارقام كانت غير حقيقية وهو ما يعطي صورة ايجابية على الاقتصاد التونسي لكنها ليست حقيقية .
وقال المبخوت «انا متفائل بتغير الاوضاع ايجابيا» واعتبر ان أي جهة لو كانت في الحكم ستكون في نفس الوضع واشار الى الرغبة في التاثير على الحكومة من طرف قوى داخلية لكبح جماح التغيير هذا اضافة الى ان الحكومة تفتقر الى التجربة .
واضاف ان انخفاض التصنيف يؤثر مباشرة على كلفة الدين ودعا الى رفع الاعتصامات وضرورة التوافق وتحقيق الاطمئنان الامني حتى يحيا الاستثمار كما دعا الى ضرورة الاهتمام بالمستثمرين التونسيين وطالب بضرورة ان يكون كل فرد ايجابيا في سلوكه لان هذه المؤشرات السلبية مهمة لكنها ليست كل شيء ,على حد تعبيره.
محسن مرزوق : لا بد من هبة للانقاذ الوطني وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم
قال الحقوقي والسياسي محسن مرزوق عن هذا التخفيض «أعتقد أن هذا التخفيض هو مؤشر جديد على المخاطر الكبرى التي تحدق باقتصادنا الوطني وهو عامل سيؤثر لا محالة على إمكانيات الاستثمار الخارحي وسيزيد من تعميق الصعوبات الاجتماعية ومن تعفين الاقتصاد. .كما اشار الى انه في كل الحالات يبدو أن البلاد تغوص كل يوم اكثر في الأزمات السياسية والاقتصادية بينما تمارس الحكومة سياسة النعامة وتبالغ في تحميل غيرها مسؤولية ضعف كفاءة اغلب اعضائها. دون الحديث عن المهازل الامنية وتصدع الدولة.
واضاف انه الآن أكثر من أي وقت مضى لا بد من هبة للانقاذ الوطني وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم أمام وطنهم...كما اوضح ان الوضع لم يعد يحتمل لا الاصطفافات و لا الاستراتيجيات الحالية. سو اء من قبل من هم في المعارضة أو من هم في الحكم أو من يحتلون مواقع سلطة والتأثير.
اما عن مدى تاثير هذا التخفيض على الاقتصاد التونسي واقعيا قال محسن مرزوق أهم تاثير سيكون على مستوى جذب الاستثمارات للبلاد مقارنة بما تقترحه دول أخرى مثل المغرب.