تمثل شركة فسفاط قفصة رقما مهما في المنظومة الاقتصادية الجهوية والوطنية ولذلك كانت دوما حاضرة في شتى التجاذبات والمقاربات التنموية كلما تعلق الأمر بالشواغل الجهوية وطلبات الشغل. كيف لا وهي المؤسسة الاقتصادية العمومية الوحيدة التي تستأثر بتوفير نصيب الأسد من مواطن الشغل بجهة قفصة، إذ يبلغ عدد أعوانها وإطاراتها حاليا 5600 وعبر عقود من الزمن خلقت شركة الفسفاط كأكبر مشغل عقلية منجمية لا ترى أفقا للتشغيل بعيدا عن هذه المؤسسة ولعلّ ذلك ما جعل الفوز بفرصة عمل بشركة الفسفاط قضية حياة أو موت بالنسبة الى الكثيرين خاصة في ظل غياب منظومة اقتصادية متكاملة الأبعاد بجهة قفصة تساهم في تنمية كل القطاعات وتفتح المجال واسعا للاستثمار الخاص.
إن هذه المؤسسة الاقتصادية العريقة تدفع اليوم الثمن الغالي وأنشطتها مهدّدة بالشلل التام في أغلب مدن الحوض المنجمي على خلفية تداعيات الاشكاليات الناجمة عن مناظرتها الأخيرة التي تتعلق بانتداب 2800 عون تنفيذ، اضافة الى حالة الارباك التي تتعرض لها باستمرار من هنا وهناك.
لكن مع الاقرار بحق مختلف الشرائح الاجتماعية والمحتجين في الدفاع عن مصالحهم وهو أمر مشروع لا ينازعهم فيه أحد، فإن ما بات عليه وضع شركة الفسفاط من تعطيل آلة انتاجها وشحن فسفاطها والاعتداء على موظفيها وأعوانها ومنعهم من العمل بعدما تعرضت له مقراتها وتجهيزاتها من تخريب ونهب وحرق منذ أشهر في أكثر من منطقة لا يمكن أن يوجد له أي مبرّر باعتبار أن الحق في العمل وضمان سلامة المؤسسة الاقتصادية لا يقلان قيمة عن المطالبة بحق الشغل التي لا يقبل عاقل أن تتحول في أسلوبها إلى ضرب إنتاج الثروة التي تحقق التنمية وتخلق مزيدا من فرص العمل.
ويبقى السؤال المحير فعلا في جهة قفصة أين أصوات العقلاء والنخب السياسية ونشطاء المجتمع المدني وهم يرون أعرق مؤسسة اقتصادية بالجهة يتهدّدها الانهيار دون أي رد فعل واضح وحاسم من أجل انقاذ شركة الفسفاط التي ضحت أجيال متتالية لتثبيتها وتطويرها وذلك باستثناء الموقف الاخير للاتحاد العام التونسي للشغل الذي جاء مؤكدا على حق العمل وسلامة العاملين ومؤسساتهم بقدر دفاعه عن الحقوق المشروعة في المطالبة بالشغل الضامن للكرامة.
فهل تحذو أصوات العقلاء والغيورين على جهة قفصة ومستقبل أبنائها حذو لغة الاتحاد مظلة الجميع وتدعو جميعها دعوة صريحة وجادة الى فك الحصار المضروب على شركة الفسفاط والانكباب معا على معالجة الشواغل الاجتماعية الحارقة بالجهة بعيدا عن الأجندات السياسية الخاصة ومنطق الربح والخسارة المرتبط بحسابات المحطات الانتخابية القادمة؟!