غير بعيد عن المجلس التأسيسي وبجانب حي الأثرياء تقطن خمس عائلات تونسية بعقار «مصبغة دافان» بحي البرتقال منذ سنة 1946 ولكنهم اليوم مهددون بالخروج من منازلهم بإستعمال القوة العامة. 48 شخصا يعيشون الفقر والخصاصة الذل والمهانة الجوع والبطالة أسقف البيوت تكاد تنهار على أصحابها الفضلات تحاصر المكان من كل جوانبه طفل معوق لم يفهم بعد ماذا يجري ينظر إلى والديه مستغربا، شباب أنهكتهم الحياة والنتيجة إنذار بالطرد من مأواهم الآخير من عالم الأحياء.
بدموع القهر بدأت نزيهة تتحدث قائلة «والدي يقطن هنا منذ 1946 وهذا البناء ملك أجنبي لصاحبه «جورج لوبس دافان» ثم عادت ملكيته لنا ولكن «تركية التلمساني» تحاول أن تفتكه منا وترمينا خارجه بلا رحمة ولا شفقة وغير بعيد عنها جلست الخالة ربح تحت شجرة كبيرة زرعت في وسط المنزل فنظرت بحزن لتاريخ حياتها قائلة «عشت سنوات طوالا في هذا المنزل البسيط لم نكن أثرياء ولكن حاولنا أن نكون سعداء وحتى السعادة افتكوها منها»
قصة عذاب
هم خمس عائلات تونسية وأجيال مختلفة ومتقاعدون عن العمل بشركة «مصنعة دافان» لمالكها الأصلي جورج لويس وصلهم متؤخرا قرار قضائي ينبههم بضرورة اخلاء المكان بحي البرتقال وبنهج الورد بحي باردو تحديدا حيث عمدت تركية التلمساني إلى رفع قضية ضدهم مدعية ملكية هذا العقار وعند وصول هذا القرار ركضت هاته العائلات إلى مسؤولي الدولة لعلهم ينقذون أبناءهم من التشرد ولكن الوالي رفض مساعدتهم أما المعتمد فقد أخر نسبيا عملية الطرد ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية لم يسمع شكاواهم كل هذه المعطيات صرح بها أهالي هذا الحي ل «الشروق» مطالبين رئيس الحكومة بضرورة التدخل لإنقاذ ما تبقى إنقاذه.
قوة السلطة
«بش نخرجك من الدار مهما كلفني الأمر» هذا ما قاله العدل المنفذ للمرأة العجوز التي تقطن بشبه منزل في هذا الحي حيث أكدت لنا أنها لن تسمح لأحد بأن يطردها من منزل زوجها الذي وافته المنية منذ سنتين تاركا لها إرثا من العذاب والقهر أما ابنتها فلم يكن حالها أفضل من والدتها حيث أرهقتها السنون لأنها الوحيدة التي تعول عائلتها بعد الوالد حيث قالت : «لا أتمنى شيئا في هذه الحياة الا العيش الكريم في منزلي».
66 سنة تعاقبت فيها السنون وهاته العائلات لم تجد من يساعدها على هذا المأزق فمنازلهم مهددة بالسقوط في كل لحظة وبيوتهم ملأتها الرطوبة وأسقف غرفهم ترشح بالماء أما الجدار الذي يجمع جميع المنازل يعاني بدوره الإهمال فمن سيحمي هؤلاء المواطنين الذين يلعنون يوميا حظهم التعيس لأنهم تواجدوا في أحياء الأثرياء وبجانبهم المجلس التأسيسي وغير بعيد عنهم وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية وتتوسطهم نافورة باردو.
نفوذ الأخ
«الآن أخوها مسؤول عن نادي رياضي كبير ولأنها من أثرياء هذا البلد ولها نفوذ كبير وسلطة أكبر لم تجد من يوقف جبروتها وظلمها عنا» هكذا قال أحد الشبان القاطنين بنهج الورد بحي البرتقال مضيفا «ما بعد الثورة أعتقدنا أن زواج السلطة بالمال لن يتواصل في تونس ولكن ما يحصل لي ولعائلتي وجيراني يؤكد أن كل مواطن فقير في هذا الوطن لن يعيش بكرامة.
إذا خمس عائلات و 48 فردا وأطفال صغار ومعوق وشيوخ وعجائز وأرامل ومطلقات يعشن تحت خط الفقر يطالبون اليوم الحكومة بأن تتحمل مسؤوليتها وتنقذهم من الطرد التعسفي أو إيجاد حل لهم رغم أنهم لن يرضوا بحل غير الموت أو الحياة في منازلهم البسيطة وهذا ما صرح به الاهالي لنا مؤكدين على ضرورة حمايتهم من هذا القرار الجائر.