تونس الصباح يجتمعون ابتداء من التاسعة ليلا امام مجلس النواب وتحديدا في ما يعرف «بخصة باردو» والامر هنا لا يتعلق باجتماع النواب وانما هو اجتماع الشعب نفسه. ولا يريدون بذلك قرارا سياسيا بل اتخذوا قرار الهروب من جحيم الحرارة الذي يخنقهم داخل المنازل ولا يكتفي هؤلاء بمجرد البقاء في هذا المكان بل يتحول الامر الى مظهر اجتماعي يكثر فيه التعارف وربما بعض الانشطة الاخرى. «غرفتان صغيرتان تنعدم فيهما التهوئة الضرورية ناهيك عن غياب المكيف اما ما تفعله الشمس الساطعة في الجدران يوما كاملا فهو قمة العذاب» هكذا يصف محمد لمين بيته الذي يقطن فيه مع زوجته وابنيه ليفر في التاسعة ليلا الى ساحة باردو عساه يجد هو وعائلته ملجأ من «الفرن» الذي تخلفه حرارة يوم كامل. والسيدة مريم زوجة السيد محمد اكثر المرتاحين في هذه السهرة وهي تقول عن ذلك «ان قضاء يوم كامل داخل المنزل وخاصة ساعات الجلوس في المطبخ للطهي تجعل الهروب الى هذا المكان ليلا ضرورة ملحة لنسيان اهوال ارتفاع الحرارة». وليست السيدة مريم المرأة الوحيدة بل جزء كبير من الحاضرين من النساء حتى من كبيرات السن منهن مثل السيدة نزيهة وهي في اواخر الخمسين من العمر مصابة بمرض لا تستطيع تحت تأثيره الحراك كثيرا فتكون الساعات التي تقضيها نهارا في البيت مريرة لذلك جلبت العائلة كرسيا صغيرا لها كي تجلس في هذه الساحة لعل حالتها تتحسن بالابتعاد عن اجواء العرق والحشرات وجو الاختناق الذي يعمق امراضها كل يوم. هذا الجمع الغفير الذي يؤم هذه البقعة من العاصمة خليط من كل الامكنة المجاورة مثل باردو وحي الزهور وغيرها وربما حتى البعيدة مثل منطقة «العقبة» وواد قريانة حيث تقطن سمية وزوجها وهما هنا من اجل طفلهما الصغير حيث ركبوا سيارتهم وحلوا بين هذا الجمع ليرتاح رضيعهم وينال بعض النسيم وتقول السيدة سمية «اخشى على ابني من المكيف فلا استطيع تركه يعمل طويلا فقد يسبب له الامراض وان انا تركته دونه نالت منا الحرارة لذلك اصطحبناه الى هذا المكان لتجنب الوضعين المؤلمين». تعارف وانشطة اخرى حلقة نساء في هذا المكان واخرى هناك واطفال يسبحون في نافورة الماء وربما يتشاجرون كلها مظاهر اجتماعية اصبحت تميز هذه الساحة وتقول السيدة نادية «لقد تعرفت على سيدة تقطن في باردو وانا انتظرها كل ليلة لنتجاذب اطراف الحديث حقيقة احببتها كثيرا». ولعل من ابرز المشاهد اللافتة للانتباه «قفة» العم حسن وهو يجول المكان يبيع الفواكه الجافة والحلوى ويؤكد الكهل ان المكان اصبح قبلة الكثيرين لذلك جئت ابحث عن لقمة العيش فالاطفال يقبلون على الحلوى كثيرا. وليس العم حسن المستفيد الوحيد من هذا التجمع في ساحة باردو فكثير من المحلات المجاورة وخاصة المطاعم ومحلات الفواكه الجافة فقد اصبح صاحب محل الفواكه الجافة المجاور للمكان يسهر حتى اوقات متأخرة من الليل لتلبية حاجات رواد «خصة» باردو. «بعض المشاكل» تؤكد الآنسة رانية ان الجو لا يخلو من بعض المشاكل فكعادة بعضهم قد يستغل احد فرصة وجود العائلات فيتحرش ببعض الفتيات لكن سرعان ما ينتهي الامر. لكن الخطير ان هذه الساحة محاطة من كل الجهات بطرقات تغص سيارات وهو ما يؤدي في بعض الاحيان الى حوادث خاصة مع وجود صبية لا يدركون مخاطر الطريق فتراهم يمرحون هنا وهناك مما يقلق اهاليهم ويفسد سهرتهم فيهربون مرة اخرى من ساحة باردو الى المنازل التي بدأت في التخلص من بعض مصابها من اشعة الشمس وبدأ بعض النسيم يدغدغ جدرانها. ومع عودة هؤلاء الى منازلهم تبقى الساحة فارغة لكن يشوبها الكثير من مخلفات سهرة طويلة فقوارير مرمية اعتباطيا وكذلك علب سجائر وقشور فواكه واشياء اخرى تواصل السهرة. لكن صباح الغد تتحمل عبئها عاملات النظافة فتجدهم منذ الصباح الباكر بصدد تنظيف هذا المكان.