ظاهرة جديدة أثثت المشهد السياسي في تونس مؤخرا تمثلت في خروج عدد من المستشارين عن سياق خطابهم الرسمي وتوجيه «نقد لاذع» للحكومة وصلت الى حد المطالبة بحل الحكومة والاكتفاء بحكومة تصريف أعمال والامتناع عن تسديد الديون الخارجية. بعد ان تعودنا على «نيران المعارضة» الموجهة لاداء للحكومة طفت على السطح «نيران صديقة» اطلقها اولا الناطق الرسمي باسم الرئاسة عدنان منصر في مقال نشره في موقع الكتروني بعنوان «حتى لا تحفر الحكومة قبرها وقبر الثورة»، وجه فيه نقدا لاذعا لأداء القضاء، الذي اعتبره « لا يستجيب لاستحقاقات الثورة».وتساءل منصر عن اولويات الحكومة قائلا «لا أحد تقريبا متفق على المهمة التي يفترض بهذه الحكومة أن تنجزها، ولا على ترتيب دقيق للأولويات».
ثم محمد شوقي عبيد، المستشار الاقتصادي للمرزوقي فدعا إلى «حل الحكومة» وطالب عبيد في صفحته على الفيسبوك، بالاقتصار على «حكومة تصريف أعمال تتكون على أقصى تقدير من 15 وزيرا».
اما المستشار ايوب المسعودي فقد طالب الحكومة والمجلس التأسيسي بإقرار قانون يقضي بالكفّ عن تسديد الديون لمدّة 3 سنوات بالإضافة إلى بعث لجنة تدقيق في المديونية التونسية للنبش في ملف ديون تونس للدول العظمى التي رأى أنّها تريد أن تفرض إملاءاتها على الدول الفقيرة.وباقالة محافظ البنك المركزي».
هذه التصريحات اختلفت التحليلات في التعاطي معها من التاكيد على انها مؤشر للديمقراطية الى غاية اعتبارها خروجا عن السياق الرسمي والقيام بحملة انتخابية والقفز من مركب يُتوقّع غرقه ... «الشروق» رصدت آراء عدد من النواب في هذا الموضوع.
المولدي الرياحي : النقد يجب ان يقترن بمقترحات وإلا أصبح «انتقادا»
قال المولدي الرياحي رئيس كتلة التكتل في المجلس الوطني التاسيسي النقد ضروري ويجب ان يكون بناء و النقد في معناه الدقيق والمصطلحي يعني ابراز الايجابيات والسلبيات معا.اما اذا اكتفى بابراز السلبيات فهو انتقاد ويصبح معه الامر موجها لغاية معينة وهي الاستنقاص والتشكيك والطعن وقال ان « كثيرا مما نسميه اليوم اقرب الى الانتقاد منه الى النقد».
واشار الى انه من الطبيعي جدا ان تقوم الاحزاب والتيارات التي تصنف نفسها تحت يافطة المعارضة بالنقد حتى ولو كان حادا ولاذعا..واضاف المولدي الرياحي «ينبغي ان تكون هذه الاطراف صاحبة مقترحات ايضا لا ان ان تبقى في الدوامة المفرغة للانتقادات المجردة بل طبيعي جدا ان يقوم نواب الشعب جميعا بما فيهم نواب احزاب الائتلاف الثلاثي بدور النقد البناء لاداء الحكومة .
كما قال الرياحي «نحن في مرحلة تاسيسية وينبغي ان نقوم جميعا بهذا الدور لان نجاح السلطة التنفيذية ونجاح السلطة التاسيسية-التشريعية اليوم هو نجاح لتونس ونجاح للثورة وهذا الامر يعاينه المواطنون وخاصة اثناء الحوارات مع الحكومة صلب المجلس التأسيسي».
كما اشار الى ان هذا الدور لا يعيب احدا من نواب احزاب الائتلاف ولاينبغي ان يعيب .وختم كلامه بالقول «انا لا اتفهم حقيقة كيف ان بعض المستشارين في مستوى السلطة التنفيذية ينخرطون في انتقاد واضح يثير بلبلة في الاذهان ولا يطرح حلولا واعتبر ان هذا الامر لا يمكن تفهمه خاصة اذا بدا انه ليس هناك تشاور حول تلك المواقف و لا انسجام حتى صلب السلطة التنفيذية المعنية».
بدر الدين عبد الكافي : مادمنا نعمل فلا بد من الخطإ
قال بدر الدين عبد الكافي عضو المجلس التاسيسي عن حركة النهضة والمكلف بالعلاقات مع المجتمع المدني ان نقد أي مؤسسة من الداخل هو علامة صحة واشار الى ان أي طيف سياسي وائتلاف او مؤسسات ليست لها عصمة حتى لا تخطئ ..واضاف «نحن ندشن تجربة ديمقراطية في تونس ومادمنا نعمل فلابد من الخطإ « واكد انه يجب التدقيق لتجاوز الانطباعية مشيرا الى الانتقادات التي ركزت على كثرة المستشارين في الرئاسة قائلا ان «المشكل ليس في العدد بل في الفاعلية».
واكد بدر الدين عبد الكافي ان النقد من الداخل اثقل واصعب واضاف ان هذا النقد لابد له ان يتقيد بضوابط اكثر مضيفا انه اذا ما ارتاى احد العناصر في مؤسسة ما توجها معينا يعرضه للتصويت اما اذا ما تم اختيار اخر يجب ان ينضبط الى القرار المتخذ الذي قد يكون صوت ضده . وختم كلامه بالقول ان النقد علامة صحة ويجب ان يحترم الموضوعية ويلتزم بالعمل المؤسساتي.
الناصر ابراهمي : نقد المستشارين مجرد ردة فعل
قال نائب المجلس التايسي الناصر ابراهمي عن «المؤتمر الديمقراطي المستقل» ان النقد اللاذع الذي وجهه مستشارو الرئاسة هو ردة فعل على النقد الذي وجهه النواب المنسحبون من حزب المؤتمر والذين بينوا ان ابرز اسباب خروجهم بالاضافة الى غياب مصادر الممارسة الديمقراطية داخل الحزب السابق واستفراد جزء من مكتبه السياسي بالقرار هو حياد حزب المؤتمر عن الوعود التي قطعها للناخبين والانصراف عن اهداف الثورة وهي ضرورة المحاسبة وتطهير الادارة واستقلال القضاء والاخذ بعين الاعتبار الحالة الاجتماعية التي يعاني منها عموم الشعب من غلاء في المعيشة واستفحال ظاهرة البطالة لذلك فان محاولة استرجاع الانفاس من قبل الرئاسة وعناصرها في الحكومة هو مجرد ردة فعل عن الانتقادات التي وجهها المنسحبون ,قائلا «وكاننا بهذه الاستفاقة المتاخرة من قبل حزب المؤتمر هي قطع العشب تحت اقدام المنسحبين وللشعب ان يتساءل اذا كانت هذه الاستفاقة بريئة وصادقة فمالها اتت اليوم ولماذا يتواصل السكوت عن حقوق الجرحى والشهداء وخاصة مع ما انكشف من فراغ ملفات المتهمين بالقتل اثناء محاكمات تالة والقصرين وسليانة ؟
محمد الحامدي : الائتلاف الحاكم اثبت عجزه
قال رئيس الكتلة الديمقراطية في المجلس التاسيسي محمد الحامدي انه في كل حالات فان النقد سواء تعلق الامر بمحاولة التميز عن الحكومة استعدادا للانتخابات او رغبة في التبرؤ من فشل ما, واشار الى ان المهم هو ان كل المؤشرات تفيد ان الائتلاف الحاكم رغم تمتعه باغلبية انتخابية بسيطة فانه اثبت عجزه عن ادارة البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
واضاف محمد الحامدي ان تصريحات المستشارين الاخيرة هي مزيج من كل التفسيرات التي تقول انهم يحاولون التبرؤ من الفشل والقفز من المركب قبل ان يغرق والقيام بحملة انتخابية.
هشام حسني : الانتقادات من الداخل حملات انتخابية
قال هشام حسني نائب المجلس التاسيسي عن حزب النضال التقدمي ان النقد الذي تم توجيهه مؤخرا سببه عجز الحكومة عن حل عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وبسبب تجاهل المعطى الامني واشار الى ان هذا العجز يضر بسمعة تونس موضحا انه في ما يتعلق بالمعطى الاقتصادي لاوجود لتنمية وهذا ماخلق حالة احتقان في الجهات ويبرر الاعتصامات والاضطرابات والمح الى ان ما يحصل اليوم «يذكره في فترة ماقبل 14 جانفي» واعتبر ان ما يحصل يهدد استقرار الدولة.
واضاف هشام حسني في ما يتعلق بالانتقادات التي وجهها مستشارون الى الحكومة ان ما يحصل هو «لحفظ ماء الوجه ومن ينتقد الحكومة من الداخل يحضّر لحملة انتخابية» اما عن المعارضة من خارج الحكومة سببها انهم لم يروا اشياء ملموسة وباعتبار الحكومة متمسكة بوحدة القرار ولا وجود للتشاركية وختم حديثه بالقول «ان المجلس التاسيسي دوره الاساسي اصبح تزكية قرارات الحكومة والمعارضة غير فاعلة باعتبار اقليتها».