يجمع التونسيون بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية على أن ظاهرة العنف سجلت في تونس نموا متزايدا خلال الفترة التي تلت الثورة رغم الاستقرار الأمني النسبي. ولعل الأخطر أن نمو نسبة العنف وخاصة «البراكاجات» تزامنت مع «جرأة» كبيرة من المجرمين الذين أصبحوا لا يتوانون في مهاجمة ضحاياهم في النهار وفي الشوارع المكتظة بالعاصمة وبالمدن الكبرى.
هذه الظاهرة أي العنف في الشارع ونخصّ بالذكر «البراكاجات» تحولت الى عملة يومية يتداولها المواطنون في ما بينهم وهو ما ولّد حالة من الخوف والرغب في صفوف من تدفعهم ضروريات الحياة الى الخروج الى الشاع سواء في الليل أو النهار للعمل أو التسوّق أو لقضاء الشؤون الخاصة فالمشهد أصبح أشبه بحلبة صراع الغلبة فيها للأقوى.
لماذا تفشّت هذه الظاهرة في تونس؟ أين موضع الخطإ في مجتمعنا؟ من يتحمّل المسؤولية؟ ومتى تنتهي هذه الظاهرة التي زرعت الخوف في قلوب التونسيين. «الشروق» استقت آراء الشارع التونسي وتحدثت الى باحث في علم الاجتماع ورأي علم النفس التحليلي حول المجتمع واستقراره.
للعنف أسبابه
وللعنف أسبابه من ذلك نذكر التربية الاجتماعية المولّدة له والبيئة التي أفرزته والشروط المادية التي تمخض عنها وفي هذا الصدد تقول السيدة ليليا «عندما أتجول في شوارع العاصمة أشعر بالخوف، أصبحنا نحيى في بلد غاب عنه الأمن والأمان حتى رجال الأمن لا يتدخلون إذا ما أصابتنا مصيبة.. حقيقة إن الوضع ينبئ بالخطر..». تشاطرها الرأي السيدة نجوى والتي أكدت أن شوارع العاصمة أصبحت مخيفة في الليل والنهار.. حتى أنها تتجنّب حمل حقيبتها اليدوية أو وضع حليّها خوفا من أن يتهجّم عليها أحدهم في أزقة المدينة.. وتضيف السيدة نجوى أن ظاهرة العنف في تونس ارتفعت حصيلتها خاصة بعد الثورة، ويعود ذلك، حسب تفسيرها، الى سوء فهم لدى البعض لمصطلح الحرية من الذين يعتقدون أن حريتهم في تعدّيهم على الآخر..
إصدار قوانين صارمة
ومن جهته أكد السيد نجيب ونيش على ضرورة إصدار قوانين وتشريعات صارمة ضدّ هؤلاء المجرمين الذين يعتدون على المواطنين في الشوارع وفي وسائل النقل العمومي ويسلبون الناس ما يملكون ويضيف نجيب أن الضرر الناتج عن هاته الظاهرة (ظاهرة العنف) هو ضرّر مادي ومعنوي لذلك لا بدّ من تسليط عقوبة على الجاني لا تقل على 10 سنوات حتى لا يكرّر صنيعه وأن يكون عبرة لغيره.
ومن جانب آخر تحدث نجيب على السجون التونسية التي أصبحت وحسب رأيه لا تخيف السجين ويقصد هنا السجين الذي ارتكب جريمة كبرى حيث يرى نجيب أنه من الضروري تصنيف السجناء حتى ينال كل مجرم الجزاء الذي يستحقه وأن يعتبر من فعلته مؤكدا أن حقوق الانسان لا يجب أن تطبق على أشخاص ارتكبوا جرائم لا تغتفر.
ظاهرة تنبئ بالخطر
إيناس ومنال بدورهما يدينان ظاهرة العنف في الشارع التونسي التي تفشت بشكل كبير بعد الثورة وتقول منال أن العنف المادي ظاهرة تنبئ بالخطر خاصة أن المعتدين لا يخافون أحدا بل يتهجمون على المارة ويفتكون ما يريدون بكل وقاحة غير عابئين بأحد.
ولمعرفة حصيلة الاعتداءات أو «البراكاجات» التي سجلت في شوارع العاصمة في ال3 أشهر الأخيرة. «الشروق» اتصلت بوزارة الداخلية التي لم تمدنا بأي رقم بحجة إمهالها مدة زمنية قد تصل إلى أشهر.
سلوك لا شعوري
وحسب علم النفس التحليلي، فإنّ العنف أو العدوان في بعض الحالات تكمن خطورته في كونه أحد احتمالات التكوين الاجرامي عند البعض أو الاستعداد له وتركز نظرية مدرسة التحليل النفسي على حافزين بيولوجين فطرين هما حافز الجنس وحافز العدوان.
الأول من وجهة نظرها يلعب دورا خطيرا في تحديد سلوك الفرد واتجاهاته وفي مختلف أدوار حياته. كما أن الانسان قد يمارس عملا عدوانيا ضدّ آخر دون أن تكون لديه مشاعر كراهية ضده وإنما هناك رغبة في السطو على ما يملك حتى يرضي ما يتحرك داخله من هواجس سواء كانت مادية أو معنوية.