مع دخول فصل الصيف وانطلاقا من منتصف شهر «مايو» كما يشير الى ذلك الأهالي بجهة بنزرت غالبا ما يعاود كثير من العائلات الحنين الى عادات غذائية وتجارية وثقافية متوارثة جيلا عن آخر في الاحتفاء بموسم صيد سمك «الشاوري». «الشروق» خرجت للشارع بجهة بنزرت ورصدت انطلاقا من هذا التحقيق طبيعة التعاطي مع مثل هذه المواعيد التي أضحت من التقاليد الحضارية المميزة بدورها لطبيعة المخيال الاجتماعي بأغلب المعتمديات. وخلال زيارتنا كانت الحركية التجارية على أشدها بين أروقة سوق صلاح الدين بوشوشة حيث اشرأبت الأعناق بفضول السؤال في زحام ومتاهة الأصوات المتعالية المنادية في الأغلب بسمك الشاوري. .. وبين محتج وراض عن الأسعار المعلنة وبين مستفسر عن الحوت المعروض هل هو بالبنزرتي أم بالمجلوب من بحار أخرى من سيدي داود أو الشابة أو غيرها هذا هو المشهد الأبرز بالفضاء التجاري وتراوحت الأسعار ما بين الأربعة دنانير والدينارين والنصف للكيلوغرام الواحد. وفي هذا الصدد لاحظ السيد «حسن خرباش» بحار ومختص في تربية الأسماك والصيد أن موسم ظهور وصيد سمك الشاوري في بنزرت يكون على هامش رحلته من السينغال وصولا الى بنزرت من أواخر شهر ماي الى شهر جوان من كل عام. وأضاف محدثنا انه عرف صيده بمناطق ساحلية بالجهة وأبرزها: كاب زبيب وغار الملح والكرنيش وجبل الأبيض وراس الجبل وسيدي البشير.. البعض ممن تحدث الينا حول الظاهرة توقف عند ما أضحى متفق عليه من تزامن جني التوت مع دخول فترة صيد وتوفر سمك الشاوري ببحار الجهة وموانئها الخمسة من بنزرت الى سيدي مشرق وغار الملح وراس الجبل ورأس الزبيب ومنزل عبد الرحمان وجرزونة حيث أفاد كل السيد « عبد الله بن بركة «متقاعد» و«عادل الزواوي» قشار أن تواجد هذا الصنف من السمك بالجهة أضحى متزامنا في الغالب مع جني التوت حسب الأهالي وتحديدا من 15 ماي الى 15 جوان. وانه كسمك متعارف بكثرة الحركة والمهاجرة انطلاقا من افريقيا الجنوبية على الأرجح حيث تتم عملية بيضه في آخر رحلاته ببحار بنزرت.
وأشار في الأثناء أن لذة المذاق وشعبية التسعيرة وتوارث العادة ابرز عوامل تواصل الاقبال المنقطع النظير على سوق السمك خلال هذه الفترة. وفي جولتنا التي أخذتنا الى عدد من نقاط بيع الأسماك كانت وجهة اغلب أرباب وربات البيوت الى ما عرض على الطاولات من أصناف من الأسماك الشعبية بالأساس لا سيما الشاوري الذي ادخل منافسة ملحوظة مع غيره من الأصناف الأخرى للأسماك التي عرفت بطيب المذاق والجودة. وفي هذا الصدد لاحظ الحاج «محمد الزواوي» صاحب محل لبيع الأسماك أن العائلات البنزرتية تقبل على اقتناء سمك الشاوري بشكل ملحوظ وهام في مثل هذه المواعيد من كل عام. وهو تقريبا ذات الموقف للشاب «مهدي بن بركة» قشار الذي كان بصدد وزن كمية من سمك الشاوري لأحد الحرفاء بالسوق حيث أفاد أن الاقبال مهول على هذا النوع من الأسماك من قبل الأسر البنزرتية. وتشير الدراسات المنجزة أن من الخصائص الغذائية لسمك الشاوري تصنيفه ضمن الأسماك البيضاء اذ انه غني بالبروتينات ويحتوي على نسبة ضئيلة من الدهنيات بالمقارنة مع الأسماك الزرقاء. ويذهب الباحثون انه نظرا لاختلاف تسمية اسماك السبيكري حسب المناطق يصعب حصر الانتاج بصفة مدققة لكن من المؤكد أن غالبية الانتاج الوطني من هذا الصنف أي الشاوري متأتية من جهة الشمال وذلك وفقا لتقاليد بجهات أبرزها بنزرت ولا سيما «جزيرة جالطا» الزاخرة بدورها بالجمال الطبيعي والثروة السمكية.
وتشير مصادر من المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية أن الانتاج البحري السمكي بولاية بنزرت يقدر سنويا ب6000 طن. وحول أسرار هذه العلاقة حدثتنا الحاجة «حبيبة عياري» التي وجدناها بأحد أروقة سوق السمك بالمدينة أن دخول موسم الشاوري يقترن باحياء عادات الأجداد الغذائية، حيث تتصدر أطباق المقلي والمشوي الطاولات البنزرتية وكذلك كسكسي و«مرقى» معدة بهذا الصنف من الأسماك وذلك بمناطق أبرزها رأس الجبل. وذلك فضلا حسب محدثتنا عن أطباق أخرى الى حين مثل «السلاطة» بعد عملية تجفيف لأنثى الشاوري من قبل البعض من ربات البيوت وذلك في تقليد متوارث جيل عن جيل وهي ستقوم بتصبير بعض الكميات لتقديمها لاحدى بناتها المقيمة بعيدا عنها. حول ذات المسالة اعتبر الشاب «مروان علوش» أن عمليات الاقبال على اقتناء الشاوري تشمل العائلات البنزرتية وحتى من خارج الجهة من الحرفاء من العاصمة وعدد من الهاجرين.