شبّه رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي الفساد المالي والإداري بأعشاب «النّجم» التي تنتشر في الزرع بشكل شبه كلي ولا يمكن استئصال جذورها أبدا ولا خيار لمقاومتها غير متابعتها بالقص الدوري بواسطة آلة قص ناجعة وفعالة وغير فاسدة بدورها. هذا هوحال تونس وحال كل دول العالم اليوم، وفق ما ذكره الرئيس المرزوقي لدى افتتاحه أمس بالعاصمة ملتقى موضوعه « من أين لك هذا ؟» نظمته رئاسة الجمهورية بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الإنمائي وبحضور خبراء في المجال وعدد من أعضاء الحكومة والمسؤولين. وتمت خلال هذا الملتقى مناقشة كل السبل الكفيلة بإرساء آلية «من أين لك هذا» في تونس لأنها وحدها الكفيلة بمقاومة الفساد والرشوة والكسب والإثراء غير المشروعين.
طاعون عالمي
قال المرزوقي بالخصوص انه لا يوجد بلد خال اليوم وغدا من طاعون الفساد، وأينما وُجد البشر وُجد الفساد، غير أن ما يميز دولة عن أخرى في المجال هومدى نجاعة آلة مقاومته والتحقق من انها بدورها آلة غير فاسدة ووجود أشخاص أمناء يسهرون على تشغيلها وصيانتها ووجود مراقبين لهم حتى تكون آلة ذات حدّ قاطع تجتث الاعشاب الفاسدة المضرة المنتشرة الآن، وهي كثيرة، وتجتث باستمرار كل ما قد ينبت منها مستقبلا.
فالكسب غير المشروع هوشأن عالمي وشغل شاغل للجميع ونظمته اتفاقية الاممالمتحدة سنة 2003 وصادقت عليها تونس في 2008 لكن القوانين التي وضعتها تونس منذ ذلك التاريخ لم تكن كافية وكان ذلك متعمدا من النظام لأنه كان يوهم الناس أن الفساد امر نادر ويقتصر على الموظفين البسطاء كما ان القانون الحالي يضع على ذمة السلطة العامة أدوات مراقبة ذات فعالية محدودة وأنه آن الأوان لمزيد تفعيل هذه الرقابة عبر آلية « من أين لك هذا ؟».
فرصة تاريخية
قال رئيس الجمهورية إن التونسيين اليوم أمام فرصة تاريخية لوضع أسس آلة استئصال الفساد بمختلف أجزائها.ولا بد أولا من توفر جزء سياسي يتمثل في المجلس الاعلى لمحاربة الفساد ممثلة فيه الدولة والمجتمع المدني بشكل متوازن. وثانيا يجب توفر جزء قانوني عبر ترسانة قوانين قاسمة لظهور المفسدين وثالثا جزء قضائي عبر قضاء مختص في قضايا الفاسدين وعبر محاكمات عادلة للمفسدين تنشر على الملإ لتكون دروسا للجميع. بينما الجزء الرابع اجرائي وذلك عبر قواعد ثابتة وشفافة في مراقبة النفقات العمومية، وهي من أخطر المناطق، وجزء خامس اعلامي عبر فتح كل ملفات الادارة امام وسائل الاعلام وجزء سادس تربوي عبر حملات توعية بخصوص حيل الفساد ومستوياته.
إرادة سياسية.. ومراقبة شعبية
اعتبر رئيس الجمهورية ان نجاح مقاومة الفساد يتطلب توفر شرطين أساسيين هما الارادة السياسية عند اصحاب القرار والاستنفار المدني الشعبي والجماعي للمراقبة. وقال ان الإرادة السياسية متوفرة اليوم، وتحدث مثلا عن مؤسسة رئاسة الجمهورية التي كانت على حد قوله «رأس الحربة» في الفساد لكنها اليوم تريد أن تصبح رأس حربة في مقاومته. وسيتم ذلك عبر ادخالها في منظومة الحوكمة المفتوحة (Open Gov) وذلك بنشر كل شيء على الملإ والتعهد بعرض كل الحسابات المالية على لجنة محاسبة حكومية مستقلة نهاية كل عام للتأكد من خلومؤسسة الرئاسة من الفساد. وأضاف ان هناك تصميم على اتباع الخطى نفسها في الحكومة وفي مؤسسة المجلس التأسيسي. لكن المرزوقي اكد أن كل هذا لا يمكنه ان ينجح إلا إذا توفر الوعي الشعبي بهذا الموضوع والمراقبة الجماعية التي لا يجب أن تتوقف. فاذا ما توفر هذان الشرطان فان ما ينتظر الفساد والفاسدين أيام صعبة ومُظلمة حسب المرزوقي لأنهم سيتحولون إلى ظاهرة تحت السيطرة وستترتب عن ذلك نتائج وخيمة بالنسبة إليهم.
4 دول عربية فقط
من جهته قال السيد محمد بلحسين المنسق للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي في تونس إن الفساد له آثار سلبية على كل شيء في الدولة وهو يمثل عبءا ثقيلا لا بد من التخلص منه. وأضاف ان التدابير التي اتخذتها وستتخذها تونس في مجال مكافحة الفساد تشد إليها كل أنظار العالم اليوم بالنظر إلى أن تونس كانت سباقة في ثورتها وفي وضع حد للفساد.
وقد وضعت تونس مطلع هذا العام مشروعا لمقاومة الفساد بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانمائي فضلا عن توقيعها على وثيقة مشروع مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في البلدان العربية. ويتضمن هذا المشروع 4 محاور أهمها دعم دول المنطقة لتطبيق اتفاقية الاممالمتحدة لسنة 2003 حول مكافحة الفساد خاصة المادة 20 منها المتعلقة بمقاومة الكسب غير المشروع والتي عملت اليوم 44 دولة على احداث منظومة خاصة بها منها 4 دول عربية وهي مصر والجزائر وفلسطين ولبنان حيث تتم معاقبة الكسب غير المشروع بشكل صارم، ولا بد أن تخطودول اخرى، منها تونس، على خطى هذه الدول الأربع.