أيّة مشروعية لتحييد المؤسسات الدينية عن التوظيف السياسي وما هي سُبل الفصل بين الفعل الديني والفعل السياسي؟ كانت من بين الإشكالات التي سعت الندوة الفكرية حول تحييد المؤسسة الدينية عن التوظيف السياسي المنتظمة أمس بسوسة. الندوة التي نظمتها شبكة تونس للحقوق والحريات والكرامة شهدت نقاشات وتجاذبات بين المتدخّلين الذين يمثلون مدارس فكرية وسياسية متنوّعة ولهم مقاربات مختلفة عن بعضها البعض بخصوص الإشكالية المطروحة.
وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة العجمي الوريمي إنّ الحديث عن «مؤسسة دينية» فيه كثير من اللّبس لأنه يقوم على ثنائية الديني والمدني، في حين أنّ المؤسسة الدينية تابعة للمجتمع وهي جزء من المجتمع المدني وبالتالي فإنّ وضع المؤسسة الدينية في مقابل المؤسسة المدنية فيه شيء من المغالطة والتجنّي.»
إرث سياسي
واعتبر الوريمي أنّ المخاوف القائمة اليوم من توظيف سياسي للمساجد مردّها الإرث السياسي الذي تركه الرئيس المخلوع والفترة البورقيبية حيث كانت السلطة ترفع شعار التحييد ولكن عوض أن تحيّد المساجد عملت على إخضاعها لرقابة نشطاء ومخبري الحزب الحاكم».
ورأى الوريمي «أنّ من حق الإمام أن يتحدّث في الشأن العام وفي الشأن السياسي ولكن ليس من حقه أن يمارس الدعاية السياسية ويوجه المصلّين نحو وجهة سياسية معيّنة، مضيفا أنّ «هذا الإرث هو الذي يجعلنا الآن أمام نوع من الفراغ وأمام ضرورة البحث عن وضعية تتناسب مع واقع الثورة ورغبة الناس في أن يكون المسجد مكانا للعبادة والتوعية وتهذيب الأخلاق والسّلوك».
وردّا على تساؤل ل «الشروق» حول الاتهامات الموجهة إلى حركة النهضة أساسا بالعمل على توظيف المساجد في تسويق خطابها السياسي والقيام بحملاتها مع أن الخطاب السياسي في المساجد قد لا يعبّر بالضرورة عن مواقف الحركة قال الوريمي «إنّ ما يُعاب على النهضة أنها تركت المساجد وخلّفت فراغا استغلّه غيرها معتبرا أن الحركة مدعوّة اليوم إلى العودة إلى المساجد بعد أن غادرتها اضطرارا واختيارا، موضحا أنّ الحركة أرادت تأكيد صفتها السياسية واستعدادها لتقديم تنازل في هذا المستوى الدّعوي حتى لا يحصل لبس في نشاطها الدعوي ويختلط بالشأن السياسي».
وقدّم ممثل حزب العمّال الشيوعي التونسي الناصر بن رمضان مقاربة حزبه لمسألة التوظيف السياسي للمساجد قائلا إنّ السلطة السياسية في السابق غيّبت الدور الوطني والاجتماعي للمساجد وسعت إلى الاستحواذ على الدين، أمّا بعد الثورة «فشاهدنا أحزابا وحركات دينية، وحركة النهضة تحديدا تحاول استعمال الدين لأغراض سياسية واليوم نرى توظيفا غريبا للدين لم يعهده التونسيون من قبل» حسب تعبيره.
واتهم بن رمضان حركة النهضة باستعمال الدين في حملاتها السياسية وفي تصورها وبدائلها الاجتماعية والاقتصادية، مضيفا أنّ خطابا تكفيريا رافق ذلك أدّى إلى الفتنة. واعتبر بن رمضان أن التونسيين لا يخافون على دينهم فهم متأصّلون فيه متشبثون به والتونسي بطبعه متصالح مع نفسه ومع دينه، مشيرا إلى أن مقولة الإسلام دين ودولة هي من أسباب الفتنة وفيها تحييد للثورة عن أهدافها الاقتصادية والاجتماعية التي قامت من أجلها».
مقاربة «حداثيّة»
وقال الجامعي الطاهر بن قيزة إنّ المسجد كان ولا يزال المكان الأساسي للتعبّد وكان الجامعة والمؤسسة التربوية والمكان الذي يُفصل فيه القول في المسائل القانونية وكان المكان الذي يُعلن فيه عن ميلاد الشخص وزواجه ووفاته، أي أن المجتمع كان مختزلا في هذه المؤسسة.
وأوضح بن قيزة أن «المجتمعات تتطوّر وتتغير وقد ظهرت مؤسسات أخرى بفعل التطور التقني والعلمي والسياسي والاجتماعي وصار تجديد لمفهوم الزمان ولمفهوم المكان وتشكلت مؤسسات إلى جانب المسجد الذي اقتصرت وظيفته على التعبّد ووُجدت الساحة العامة التي يتم فيها مناقشة الشأن العام».
وختم بن قيزة بالقول «الصلاة للجامع والسياسة للشارع، ومن الضروري ان يكون من يمارس الخطاب الديني منفتحا على العالم ولا يبقى في عقلية أنّنا الأهم والأفضل». واعتبر عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة الشعب محمّد براهمي أن الإسلام بالنسبة إلينا حياة قبل أن يكون شعائر ولم يعرف التاريخ الإسلامي دولة دينية حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم.
وأضاف براهمي «أنّ المسجد جُعل ليجتمع فيه الناس لبحث شؤون دينهم ودنياهم عندما كان المسجد هو الفضاء الوحيد الذي يلتقي فيه الجميع، أمّا وقد هندس الإنسان فضاءات أخرى لشؤون الدنيا يصبح من التعسف ترك هذه الفضاءات والاقتصار على المسجد، محذرا من أنّ ما يضير هو أن يختصم الناس في المسجد ويتشاجرون على من يؤمّ الناس ويكفّر بعضهم بعضا».
وأكّد براهمي ضرورة أن تعمل كل الأطراف على تنمية المشترك بيننا وتقليص مساحة المختلف حوله، وختم بالقول «تونس تحتاج إلى حزب التحرير وحركة النهضة والسلفيين وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال الشيوعي وحركة الشعب والحزب الجمهوري وكل الأحزاب حتى لا ننزلق إلى مربع الفتنة».