ما أفق توحيد التيار الديمقراطي اليساري (العائلة الوطنيّة)؟ وما هوا الموقف من القضايا الراهنة ؟ السيّد عبد الرزاق الهمّامي أبرز قياديي التيار الوطني الديمقراطي ورئيس الهيئة التأسيسيّة لحزب العمل الوطني الديمقراطي يتحدّث ل«الشروق». واقع اليسار التونسي يشهد العديد من التغيّرات وربّما عمليات النقد والمراجعات الفكريّة، ولكن ذلك لم يمنع من وجود تباين في المقاربات خاصة بعد نتائج انتخابات 23 أكتوبر وصعود حركة إسلاميّة إلى سدّة الحكم، كيف ينظر ابرز تيارات اليسار (العائلة الوطنيّة) إلى مجموع تلك التغيرات وما هي إستراتيجية عمله في الفترة القادمة وهل يتجاوز حالة الخلاف والصراع.
ما حقيقة الخلاف الحالي داخل حزب العمل الوطني الديمقراطي؟
ككل الكيانات السياسية الحية والفاعلة داخل المشهد السياسي التونسي شهد حزب العمل الوطني الديمقراطي بعض الخلافات السياسية التي ترتبت عليها بعض الإجراءات التنظيمية. وتمّ ذلك في إطار الهياكل الشرعية والقانونية صاحبة القرار في الحزب وهي المجلس المركزي الذي انعقد استثنائيا وفق الفصل السابع من النظام الداخلي وبدعوة تجاوزت بكثير ثلثي أعضائه (المطلوبة قانونيا) وضبط المجلس التوجهات السياسية العامة وحدد المعالجات الضرورية لملف توحيد التيار الوطني الديمقراطي. وحلّ الهيأة التأسيسية للحزب باعتبار اكتمال مرحلة التأسيس وانتخبت هيئة سياسية ضمّت كل من حضر المجلس من القيادة القديمة دون إقصاء. وتمّ كل ذلك في أجواء من الممارسات الديمقراطية المسؤولة التي هي إحدى سمات العمل الحزبي منذ عهود العمل السري وحرص المجلس على التمثيل النوعي للعناصر النسائية المناضلة والعناصر الشبابية الواعدة ضمن تشكيلة الهيئة السياسية التي ستقود الحزب خلال فترة وجيزة ستتوج بعقد المؤتمر الذي من مهامها إعداده في أقرب الآجال. هناك حديث عن صراع زعامات داخل العائلة الوطنية وأن هناك من يرغب في الاستحواذ على إرث التيار.
الصراعات طبيعية داخل كل التيارات بشرط أن تكون في إطار الضوابط المبدئية والأخلاقية والقانونية المشروعة، والتيار الوطني الديمقراطي ليس بعيدا عن ذلك والإرث النضالي للخط الذي سطره شهداؤه بدمائهم ومناضلوه بتضحياتهم منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن قاوموا فيها استبداد بورقيبة وبن علي وفساده يعدّ مكسبا لكل الوطنيين من أبناء تونس لذلك ليس من اليسير على أي كان الاستحواذ عليه أو تسخيره لصالحه، تاريخية الخط ونضاليته أكبر من أي زعامة وأكبر من أي فرد لذلك فهو عصيّ على التوظيف والإلحاق والاحتواء.
البعض يقول أن الخلافات بين قيادات العائلة الوطنية هو انعكاس لضغط قاعدي غير مقتنع بتوجهات بعض القيادات المركزية التي لم يعد يعنيها غير مصالحها الضيقة بعيدا عن استيعاب متغيرات الأوضاع المحلية خاصة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟
إنها علامة صحية أن نشهد لدى قواعد الخط الوطني الديمقراطي هذه الصحوة الرائعة الداعية لقراءة الواقع الملموس بعيدا عن الانغلاق داخل القوالب الجامعة ولكن دون التخلي عن الثوابت العامة الوطنية والديمقراطية الحقيقية. وقد كان لانتخابات 23 أكتوبر دور رئيسي في إحداث صدمة إيجابية في الوعي والأداء لأنها عرّت العديد من الحقائق والأوهام التي كان يحلو للبعض ترويجها والتشبث بها. وفرضت على المناضلين الصادقين الإصغاء لصوت الشعب والنفاذ إلى نبضه الحقيقي بعيدا عن الأوهام النخبوية، وكل النوازع الأنانية الضيّقة.
قلتم مؤخرا أن المؤتمر الموحد للعائلة الوطنية سيعقد حضر الوطد أم لم يحضر. هل أن الخلاف داخل عائلة الوطنية بلغ درجة عدم الرجوع؟
أولا أنا لم اقل ذلك ، إذ لا معنى لمؤتمر توحيدي دون حضور الوطد: التي هي اختصار للوطنيين الديمقراطيين على اختلاف تجاربهم، ولعل ما قصده صاحب العنوان هو: الحود (أي حركة الوطنيين الديمقراطيين)، وحتى هذا فإننا لم نقله وليس صحيحا لأن الخلاف مع بعض عناصر قيادة الحركة لا يعني القطيعة لا مع الحركة ولا مع غيرها من الوطنيين الديمقراطيين. ونحن قلنا إننا ماضون إلى مؤتمر توحيدي سواء كان ذلك بمشاركة الحركة أو بدون مشاركتها ونحن لا نتدخل في قرار الآخرين ولكننا معنيون بتوحيد يضم أغلب الوطنيين الديمقراطيين على أساس النضالية للخط ووفق اتفاقات التناصف والتوافق التي صادقت عليها مؤسسات القرار في الحزبين.
البعض يرى أن الخلاف داخل العائلة الوطنية كان سببا في انحسار وتراجع مبادرة 14 جانفي؟
هذا ليس صحيحا، انحسار وتراجع مبادرة 14 جانفي كان بسبب خلافات سياسية حول تقييم مسار الانتقال الديمقراطي وسبل استكمال أهداف الثورة.
وجّهتم مؤخرا دعوة للانتقال من المعارضة الاحتجاجية إلى المعارضة البناءة، هل هي مراجعة لأدبيات تيار العائلة الوطنية وبحث عن تموقع جديد؟
إن من أهم الاستنتاجات التي أفضى إليها تقييمنا لانتخابات 23 أكتوبر أن الناس عندما ينتخبون من يفترض فيهم حكم البلاد، لا ينظرون إلى الجانب النضالي والقدرة الاجتماعية فقط التي هي رصيد هام، ولكن ينظرون بالأساس إلى جانب القدرة على حل المشاكل، والقدرة على اقتراح الحلول. إنهم يبحثون عن طرف يطمئنون إليه ليحكمهم ويضمن مصالحهم الحيوية التي ثاروا من أجل تحقيقها. ونحن بهذا الصدد كنا دائما مع المعارضة المسؤولة المبدئية والبناءة وهذا ما ميّز تجربة حزب العمل على الدوام.
هل أن ذلك يعكس توجها داخل نقابات وهياكل اتحاد الشغل وبعض فصائل اليسار حيث شاهدنا بيانات إيجابية تجاه السلطة؟
القضية ليست قضية بيانات ايجابية أو سلبية تجاه السلطة، بل هي قضية مواقف مسؤولة تعترض على الخطأ وتتصدى للمظالم وتثمّن الأداء الايجابي وتتفاعل مع الحلول المعقولة والواقعية للمشاكل أي بعيدا عن المهادنة والتفريط وبعيدا كذلك عن الاستعداء المجاني، ونحن نعتقد أن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي نحرص على استقلاليته عن كل الأحزاب وكل النقابات، والأحزاب السياسية الوطنية تتبنى هذا التمشي الذي هدفه إنقاذ البلاد والشعب من الأوضاع المتردية وتحقيق مطامح الحرية والديمقراطية والرفاه لكل أبناء تونس.
هناك شبه اتفاق بين متابعي الشأن السياسي التونسي أن واقع الاستقطاب يضر بالبلاد وباستحقاقات الثورة ومسار الانتقال الديمقراطي، كيف ترون إمكانية كسر هذا الاستقطاب الثنائي وهل بإمكانكم أنتم قيادة مبادرة لإيجاد معطى جديد في هذه المعادلة؟
أتفق معك تماما حول الضرر الفادح الذي يلحق البلاد بسبب الاستقطاب الذي يحوّل المنافسة السياسية إلى صراع يفتقر لروح التقييم الموضوعي ويثير نعرات الاستعداء والمواجهة المجانية المهلكة للجميع، بلادنا في حاجة لعقد اجتماعي توافقي يضمن الحد الأدنى من أهداف الثورة التونسية في أبعادها السياسية المركزة أساسا على استقلالية القرار الوطني ضمن الأطر الإقليمية المحلية والعالمية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، وتتعهد كل الأطراف باحترامه والعمل على انجازه دون استفراد أو استفزاز وذلك هو المدخل الأمثل لكسر هذا الاستقطاب الثنائي الذي لا تستفيد منه إلا قوى الثورة المضادة. ونحن من جانبنا ساعون لبلورة هذا التوجه والتفاعل ايجابيا مع المبادرات المطروحة على الساحة ومن أهمها مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل.
الموقف من السلفية وهل تؤمنون فعلا بوجود خطر حقيقي من هؤلاء؟
الخطر السلفي كامن في اعتقاد هؤلاء المواطنين أنهم هم فقط على حق وأن سائر الناس على ضلال، ولهذا فهم يكفرون غيرهم وينصبون أنفسهم أوصياء على المجتمع، وينتصبون بديلا عن الدولة ويتصرفون خارج القانون معتدين على من يخالفهم الرأي وهذه الممارسات خطرة ومن الواجب إيقافها وردعها.
هل تلقيتم إشارات إيجابية من الترويكا وخاصة حركة النهضة؟
الترويكا والنهضة: هي أحزاب تحكم البلد ونحن حزب في المعارضة نحن معارضة وطنية ومن حقنا أن يكون لنا رأي في كل ما يجد الجميع لتحقيق المصلحة الوطنية ونحن على عادتنا نتعامل وفق مواقفنا المبدئية ووفق مصلحة شعبنا في تحقيق أهداف ثورته ونتفاعل بإيجاب مع كل مستجد يخدم المصلحة الوطنية ونتصدى بنضالية لكل ظلم أو انحراف.
لكن البعض يسرب أنكم اتخذتم منهجكم الجديد بغاية المحافظة على مكاسب وبهدف أن يكون حزبكم معنيا بالتعيينات الإدارية والوظائف السامية في الداخل والخارج؟ نحن ندعو إلى عدم تسييس السلك الإداري وتجنب التعيينات خارج إطار الكفاءة ووفق منطق الولاءات، ومن حق كل التونسيين سواء أكانوا من أحزاب الحكم أو أحزاب المعارضة (ومنها حزبنا) أن يتحملوا المسؤوليات التي يخدمون بها بلدهم والذي نؤكده أنه ليس لنا أية مطامع حزبية خاصة، أملت علينا توجهاتنا السياسية الوطنية. اتّضح أنّ أطياف عديدة من المعارضة على ما يبدو ليس لها حلول وبدائل، أنتم حزب قديم ما هي الحلول التي تقترحونها للمشاغل المطروحة مثل البطالة والخصخصة والتنمية الجهوية وإصلاح التعليم، ولماذا لا تعلنون عنها؟
نحن لنا برنامج اقتصادي واجتماعي طرحناه وفصلنا الحديث فيه مرارا ونحن بصدد تحيينه استعدادا لمؤتمرنا ويتضمن مساهمتنا في اقتراح حلول عاجلة وآجلة للبطالة والتنمية والتعليم وهذه الحلول ليست من صنعنا وحدنا بل إننا نقول إن هذه الحلول متداولة ويجب التوافق الوطني حول إطارها العام (أي منوال التنمية الخادم للمصلحة الوطنية) مع مراعاة الواقعية والقدرة الفعلية على الإنجاز وذلك لن يتم إلا في إطار التوافق الوطني الذي تحدثت عنه سابقا.
الموقف من مبادرة السبسي وعودة التجمعيين وتطهير القضاء وإصلاح المنظومة الأمنية؟
بالنسبة لنا لا مجال لعودة التجمعيين ممن تورطوا في جرائم الاستبداد والفساد هذه القضية حسمها الشعب عندما فرض حل التجمع ولا عودة لهذا الموضوع. ونحن مع تطهير القضاء وإصلاح المنظومة الأمنية بما يخدم الأمن ويحترم حقوق المواطنة ولكن نحن نشدد على أن عمليات التطهير يجب أن تتم بشفافية وفي إطار القانون وبعيدا عن تصفية الحسابات من أي جهة كانت. أما مبادرة السيد الباجي قائد السبسي فلم يصلنا عنها أي شيء رسمي حتى نحكم عليها، ولكن موقفنا المبدئي أننا ضد أي شكل من أشكال عودة رموز الفساد والاستبداد مهما كانت المسوغات.