ترسانة من القوانين والاجراءات في التشريع التونسي تبدو للوهلة الأولى أنها قادرة على فرض الاستقرار والأمن في البلاد بشكل ناجع وصارم... لكن على أرض الواقع يبدو المشهد مختلفا تماما وكأنه لا وجود لهذه القوانين أصلا. تعيش تونس منذ أشهر على وقع تقلبات امنية خطيرة تتكرر وتتتالى وتُدخل في كل مرة الخوف والذعر في النفوس، وتتلوها شكوك وهواجس عديدة لدى المواطنين وتساؤلات تقول باختصار: أين القانون وأين المكلفون بتنفيذه (من جيش وامن وقضاء ونيابة عمومية) أمام كل ما يحصل؟
إضافة إلى القوانين الاستثنائية على غرار قانون 1976 المتعلق بحالة الطوارئ وقانون 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر وقانون 2003 المتعلق بمكافحة الارهاب، توجد مجموعة من الأحكام القانونية العامة التي يمكن تفعيلها في أي وقت للتصدي لكل اعمال العنف والشغب لفرض الامن والاستقرار والسلم في البلاد وهي أحكام المجلة الجنائية.
أمن الدولة الداخلي
حدد المشرع التونسي صلب المجلة الجنائية جملة من الاحكام القانونية الهادفة إلى حماية أمن الدولة الداخلي من الاعتداءات .
فقد وقع تخصيص ما لا يقل عن 19 فصلا كاملا تتعلق ب «الاعتداءات على أمن الدولة الداخلي». لكن ما يلاحظه كثيرون اليوم هو أن هذه الفصول غير مُفعّلة بالشكل الكافي من قبل السلطات المعنية.
وفي مقدمة هذه الاحكام ياتي الفصل 72 اكثر وضوحا حيث ينص على أنه يُعاقب بالاعدام «مرتكب الاعتداء المقصود به ..حمل السكان على مهاجمة بعضهم بالسلاح أو إثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي» (وهو ما حصل في اكثر من مرة منذ الثورة ) كما يعاقب بالاعدام أيضا حسب الفصل 74 «كل من يجمع أو يرأس ويمد بالاسلحة جموعا بقصد نهب أموال الدولة أو أموال الناس أو الاستيلاء على عقارات أو منقولات أو افسادها وكذلك محاربة أو مجرد ممانعة القوة العامة حال مقاومتها لمرتكبي هذه الاعتداءات» (وهو ما حصل أيضا مرات عديدة في الاشهر الماضية).. وإضافة إلى ذلك، نصت الفصول من 75 إلى 79 على جملة من العقوبات المختلفة (السجن من عامين إلى المؤبد) ضد كل من يحرق أو يهدم أبنية من أملاك الدولة وضد كل من يعتدي على الناس أو على الاملاك أو على مسكن أو على محل حرفة أو على ملك مُسيج وضد كل من يعمل على ازعاج الراحة العامة للناس (وهو ما حصل كذلك مرارا عديدة).
ويقول خبراء في الاجرام ان تفعيل هذه الأحكام بشكل صارم من شأنه أن يكون خير رادع لكل من تخول له نفسه اتيان أفعال تهدد الاستقرار والامن في البلاد، ويمكن القول أن للقضاء دورا بارزا في هذا المجال.
مكافحة الارهاب
سنت تونس منذ سنة 2003 قانونا تاريخيا هاما يتعلق بمكافحة الارهاب. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وُجهت لهذا القانون باعتباره مفصلا على قياس نظام بن علي في التضييق على الحريات وفي محاكمة الخصوم السياسيين، إلا أن هناك جوانب عديدة منه تبدو قادرة اليوم على فرض الأمن والاستقرار في البلاد بشكل صارم وناجع خاصة بعد تصريح مصدر مسؤول من وزارة العدل أول امس أن ما جد من أحداث في اليومين الاخيرين يمكن تصنيفها ضمن الاعمال الارهابية ويمكن تبعا لذلك تفعيل قانون الارهاب في شأنها وفي شأن مرتكبيها . علما أن وزارة العدل أعلنت منذ مدة نيتها تنقيح هذا القانون.
وجاء في هذا القانون أنه توصف بإرهابية، كل جريمة مهما كانت دوافعها، لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي من شأنه ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص، أو بثّ الرعب بين السكان، وذلك بقصد التأثير على سياسة الدولة وحملها على القيام بعمل أو على الامتناع عن القيام به، أو الإخلال بالنظام العام أو السلم أو الأمن الدوليين، أو النيل من الأشخاص أو الأملاك... بما يعرّض حياة المتساكنين أو صحتهم للخطر، أو الإضرار بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية. وقد نص هذا القانون على جملة من العقوبات الصارمة والتي توصف بالرادعة أيضا لو يقع تطبيق ما ورد فيه من أحكام بشكل دقيق بما من شانه ان يدفع بكثيرين إلى الامتناع عن ارتكاب اعمال اجرامية في المستقبل.
قانون 1969
سنة 1969، اتخذ الرئيس بورقيبة قانونا يحدد اجراءات تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر ويحدد أيضا اجراءات ووسائل التصدي لها من قبل قوات الامن بدءا بالتنبيه الشفوي للمتجمهرين ثم تحذيرهم من استعمال القوة ثم التدرج في استعمال القوة التي قد تصل حد استعمال الذخيرة. ونص هذا القانون أيضا على جملة من العقوبات ضد كل من لا يمتثل لأحكامه من منفذي المظاهرة أو التجمهر، وتتراوح هذه العقوبة بين السجن والخطية المالية.
ورغم كل الانتقادات الموجهة لهذا القانون سواء من قبل المواطنين أو من قبل أعوان الأمن أنفسهم باعتباره لا يوفر لهم الحماية القانونية اللازمة، ورغم اعلان وزارة الداخلية اعتزامها تنقيحه هذا القانون،يمكن القول انه لا مفر من تطبيقه اليوم على الحالة التي هو عليها، باعتبار عدم وجود بديل وباعتبار ما يتضمنه من أحكام واجراءات قادرة على فرض الأمن العام والاستقرار بالبلاد إلى حين تنقيحه، وما على السلطات المعنية إلا العمل على تطبيقه.
حالة الطوارئ
منذ 15 جانفي 2011، أعلنت السلطات في تونس حالة الطوارئ، ويتواصل العمل بها إلى الآن بعد التمديد فيها أكثر من مرة .وينظم حالة الطوارئ امر صادر عن الرئيس بورقيبة منذ جانفي 1978 يعطي صلاحيات عديدة لوزير الداخلية وللوالي قصد اتخاذ عدة اجراءات يقع تنفيذها عبر قوات الأمن والجيش. وفي كل مرة تتكرر فيها أحداث عنف وشغب وحرق في البلاد، يتكرر على ألسنة المواطنين وحتى الملاحظين الأسئلة نفسها: لماذا كل هذا والبلاد تحت طائلة حالة الطوارئ؟ أليست المظاهرات والتجمهر بالطريق العام ممنوعة بفعل حالة الطوارئ؟ أليست العقوبات مضاعفة تجاه كل من يخالف أحكام الطوارئ؟ أليست للجيش وللأمن ولوزير الداخلية وللولاة سلطة مطلقة بصفة استثنائية لفرض الأمن والاستقرار بالبلاد عبر عدة وسائل مثل منع الجولان ومراقبة تحركات المشبوه فيهم ووضع البعض منهم تحت الإقامة الجبرية إلى غير ذلك من الاجراءات؟
هيبة الدولة
يتضح بما لا يدع مجالا للشك أنه من الناحية القانونية، تتوفر في تونس أرضية مناسبة لفرض الأمن العام والاستقرار في البلاد ولمنع وقوع الأحداث الدامية والحارقة والمؤسفة التي تكاد تصبح نشاطا دوريا (كل شهر تقريبا) لمرتكبيها. ويرى الجميع اليوم في تونس انه يكفي تطبيق ما تنص عليه هذه القوانين لفرض هيبة الدولة ولفرض الامن العام الذي بات اليوم مطلبا شعبيا، ومن أبرز المعنيين بتطبيق هذه القوانين وزارات الداخلية والعدل والدفاع.