ما علاقة معرض العبدلية في المرسى بما حدث في بن قردان وجندوبة وسوسة والمنستير وغيرها من المناطق والأحياء الشعبية في العاصمة؟ وزير الثقافة الدكتور مهدي المنتظر دفاعه عن المبدعين والمبروك على مناهضيهم قال إن مصدر كل ما جدّ من أحداث عنف وتخريب في المناطق المذكورة هو معرض قصر العبدلية او على الاقل بعض الرسوم فيه المسيئة في نظره الى المقدّسات الاسلامية!
وبناء على هذا الاستنتاج «السوسيولوجي» أعلن أستاذ علم الاجتماع الوزير مهدي مبروك وسط حشد من الوزراء والمسؤولين يذكرنا بالحشود او الوفود الحكومية التي جابت البلاد في المدة الأخيرة لاستعراض مشاريع الحكومة الاقتصادية، في الجهات الداخلية عن غلق قصر العبدلية لأنه في نظره أو مثلما خيّل اليه أصل البليّة. والغريب ان ممثل وزارة الداخلية الأقرب الى استنتاج ما خيّل لوزير الثقافة اكتفى في مداخلته خلال الندوة الصحفية التي أقيمت على خلفية الأحداث الأخيرة بسرد كرونولوجي لكل ما جدّ من قصر العبدلية بالمرسى الى باقي المناطق الداخلية بالبلاد.
ما لم يتحدث عنه الوزير
لماذا لم يتحدث وزير الثقافة في تشخيصه لأصل البلية، عن مجموعة الاشخاص الذين توجهوا الى قصر العبدلية قبل اندلاع الأحداث بيوم واحد اي يوم السبت 9 جوان 2012 مطالبين بنزع اللوحات المعروضة؟ لماذا لم يتحدث وزير الثقافة عن عدل التنفيذ الذي كان يرافق المجموعة؟ لماذا لم يتحدث وزير الثقافة عن تهديد هذه المجموعة بالعودة الى قصر العبدلية بعد ساعات قليلة لنزع اللوحات والحال انها كانت مرفوقة بعدل تنفيذ قام بمعاينة المعرض؟ لماذا لم يقدّم وزير الثقافة مثالا او أمثلة من الرسوم التي وصفها بالمسّ من المقدّسات الاسلامية خلال الندوة الصحفية واكتفى بالجزم أن الجمعية المنظمة للمعرض خرقت بنود العقد الذي أمضته مع وكالة إحياء التراث؟
لماذا اختفت المجموعة التي قامت بإثارة مشكل الرسوم ووصفتها على أنها تمس بالمقدّسات الاسلامية؟ لماذا لم نسمع عن تقديم قضية عدلية من قبل المجموعة المذكورة ضد منظمي معرض قصر العبدلية والحال ان لديها محضر معاينة؟ لماذا تبنت وزارة الثقافة هذه القضية بدل المجموعة المذكورة؟
المسرحية
كل هذه التساؤلات تحيلنا على سيناريو واحد، وهو ان قضية العبدلية لا يمكن ان تكون سوى مسرحية نسجت فصولها أطراف تدرك جيدا وقع المقدس عند الناس ولكن السؤال من المستفيد من هذه المسرحية؟ الناس أم أصحاب المسرحية ومن يقفون خلفهم؟
وعندما انتفض الشباب التونسي منذ أحداث الحوض المنجمي في 2008 والى غاية 14 جانفي 2011 ضد النظام السابق، كان لغاية الحرية والكرامة ولم يكن لغاية حماية المقدسات الاسلامية أو نصرة هذا الحزب أو هذا التيار ضد ذاك. ماذا تحقّق لهذا الشباب منذ سقوط النظام السابق الى الآن وخصوصا بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وتكوين الحكومة المؤقتة التي كشفت عن عجز واضح في إدارة البلاد، من عجز عن تحقيق مطالب الشغل والتنمية الى عجز حتى عن توفير الأمن. فالزيارات التي قامت بها وفود الحكومة لتهدئة الاحتقان الشعبي في الجهات باستعراض المشاريع الاقتصادية المزمع تنفيذها قوبلت في أغلبها باستياء المواطنين وتصاعد وتيرة الاحتجاجات والاعتصامات، كما أثبت الخبراء صعوبة تنفيذ هذه المشاريع، أضف الى ذلك تراجع ثقة المواطنين في الحكومة، وخصوصا في الأحزاب الممثلة فيها، نتيجة عدم قدرتها على توفير الأمن والقضاء على الفساد والمحسوبية اللذين تفشيا أكثر من ذي قبل ثم فضيحة تسرّب بعض امتحانات الباكالوريا، وفضائح أبناء بعض الوزراء. الحقيقة
كل هذا العجز من شأنه أن يؤثر على الانتخابات القادمة وذلك بإضعاف حظوظ الأحزاب الحاكمة حاليا في الفوز وخصوصا حزب حركة النهضة الذي بات ينظر الى المبادرات السياسية الجديدة بقلق كبير.
أمام هذا العجز والقلق مما قد تؤول إليه الأوضاع في البلاد من أزمات جديدة قد تضاعف من تراجع حظوظ الأحزاب الحاكمة في الانتخابات القادمة، وخصوصا حزب حركة النهضة، فإن أفضل الحلول وأقربها للخروج من الأزمة، هو تلهية المواطنين بمشاكل أخرى تنسيهم فضيحة الباكالوريا، والزيارات التي قامت بها الحكومة في الولايات، والمشاريع التي وعدوا بتنفيذها.
عفريت ديبوزفيل
في الماضي كان النظام السابق يظهر علينا في كل أزمة اجتماعية أو اقتصادية بقضية تشغل الناس مثل «عفريت ديبوزفيل»، و«الشلاط» و«خطف الأطفال»، وحتى مسرحية «المكي وزكية» التي وقع استثمارها في أحد الأعوام للغرض ذاته، أما اليوم، فإن أفضل مسرحية قد تؤدي الغرض هي معرض رسوم العبدلّية. من مازال يفكر في فضيحة الباكالوريا، أو حتى زيارات الحكومة والمشاريع التي وعدت بتنفيذها؟