لم أكن أتصوّر عندما دعاني الصديق عبدالرزاق حمودة الى زيارة ورشته في الطابق السفلي لإحدى عمارات ضواحي مدينة جينيف السّاحرة أنني سألتقي بقابس في جينيف ! نعم زرت الورشة أو المرسم الذي يعمل فيه عبدالرزاق حمّودة لأكتشف مدينة قابس بكل تفاصيلها فقد حوّل المرسم الذي يمتد على مساحة 140 مترا مربعا الى لوحة فنية تشبه قابس حتى قاعة سينما «جوهرة»التي كانت أحد معالم المدينة أحياها من خلال ركن في المرسم لعرض الأفلام مع أصدقائه وقد سمّاه «سينما جوهرة».
نعم هكذا يفعل الحنين بالفنانين الذين يجعلون من الفن استحضارا للطفولة ولأيام الصبا ،لقد حمل عبدالرزّاق حمودة قابس معه منذ أن غادرها في صائفة 1976 بين باريس وطهران وجينيف ...زرابي من قرى مطاماطة وتمزرط ،أواني من السعف ،مذياع قديم،عشرات الأسطوانات من موسيقات العالم ،فوانيس قديمة من قابس ،باب خشبي لبيت قديم في قابس ،شباك بأعمدة حديدية ،مئات البطاقات البريدية التي تشهد على مدينة قابس التي كانت في يوم ما عاصمة لدولة بني جامع ...لقد حوّل عبدالرزاق حمودة مرسمه الى فضاء ثقافي يعرض فيه الأفلام وينظم فيه السهرات التونسية والحفلات الموسيقية. فالفنانون يصنعون مدنهم حتى وإن طاله الخراب أو النسيان أو التصحّر.
يتجوّل بك عبدالرزاق حمودة صاحب الأعمال الفنية العديدة المبنية أساسا على الحرفية فتشعر كم يختزل هذا الفنان من سنوات ومن عبقرية فنية لم تزده إلا تواضعا ومحبّة للناس.