يوم ثار شباب الثورة ضد «بن على» ثار من اجل التشغيل والكرامة والحرية. ولم يكن يعرف وقتها «قصر العبدلية» ولا هؤلاء الفنانين المغمورين الذين ركبوا الآن على الثورة. من اجل الانحراف بها على مسارها الصحيح. وعلينا الآن أن نسأل هؤلاء : ما هو الفن ؟ هل هو حق طليق من دون ضوابط؟ وما هي الثوابت الدينية التي يجب أن لا تمس؟. فالمقدسات تمثل كرامة المسلم وإهانتها إهانة لذاته. فليس من حرية الفن الاعتداء على المقدس لدى الفئة الكبيرة من هذا الشعب. لأن الإسلام احترم مقدسات الآخرين حفاظا على مشاعر الآخرين وعلى كرامة الإنسان . إذ يقول تعالى {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (سورة الأنعام الآية 17). ولكن في المقابل على من أحس بأنه أهين في مقدساته أن يحاول مناقشة الأخر(بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) لأن الالتجاء إلى العنف ضد من أخطأ في حقه ليس شيم المسلمين. فالإسلام بني على الضوابط التي يعصم بها المرء نفسه من الوقوع في الغلط . والا وقع المسلم في الفتنة التي حذرنا منها عز جلاله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال الآية 25).
فبلادنا في هذا الظرف العصيب لا تتحمل الفتن ولا تتحمل المغالاة... تونس كانت دائما مهد التلاقي والحوار، وأرض التسامح والتضامن الإنساني... كانت دائما بوابة لتاريخ البشرية ، ومصدّرة ومستوعبة للقيم الإنسانية، وموطنا لنتاج الإثراء المتنوّع للإنسان... مما جعل التونسي يتميز بالعقلانية والحكمة والتبصر، وميالا إلى الرفق واللين والسماحة وحسن المعاشرة.... والملفت للنظر أنه لما كانت الشعوب تعيش الحياة الهامشية في عديد المناطق في العالم كانت تونس عكس ذلك . وهو ما يبرزه التاريخ وما تدل عليه الحفريات... ودون السقوط في المغالاة . فإن حضارتنا أقدم من عديد الحضارات التي تتباهى بها الشعوب حاليا ... فحرام بعد «ثورة مجيدة» أن ندنس هذا الإرث العظيم بشطحات الساسة. لأن في جيوبنا جميعا «بطاقة تعريف» واحدة كتب في أعلاها «الجمهورية التونسية» وعلى يمين هذه الجملة شعار تونس المتكون من 4 أقسام: ففي أعلى الشعار يوجد الهلال والنجمة للدلالة على العلم. في باقي الشعار توجد صورة لسفينة شراعية «بونيقية» تعني الحرية، ويدل الأسد البربري الحامل للسيف على النظام، أما الميزان فيرمز إلى العدالة. ويتوسط الشعار كتابة تحمل الكلمات الثلاث للشعار الوطني (حرية - نظام – عدالة ). فلا تدنسوا الحرية التي استرجعناها. ولا تدنسوا نظامنا الجمهوري الذي يقوم على مشاركة الجميع في الحكم. ولا تدنسوا العدالة بحرق مقراتها لان العدل أساس العمران.