المكتبة العربية «الزيتونة» في مدينة جينيف غرب سويسرا معلم ثقافي بارز عمره أكثر من ثلاثين عاما، بدأ مشروعا صغيرا ل«لاجئ ثقافي» بلا هوية اسمه ألان بيطار. لم يكن «ألان بيطار» طفل السادسة يتصور عندما وصل جينيف أن الأقدار ستمنحه هوية من لا هوية لهم تماما مثل الفلسطينيين الذين قاتل فيما بعد إلى جنبهم ضمن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وأنه سيكون صاحب المشروع الثقافي الأساسي في سويسرا لتقديم الثقافة العربية.
ألان بيطار لبناني سوري مصري سوداني مقيم في جينيف منذ سنة 1960 دون أن يحصل على جنسيتها إنها حكاية غريبة وراء سؤال الهوية الذي يحمله «ألان بيطار». فهو ينحدر من عائلة ذات أصول شامية استقرت في مصر ثم انتقلت إلى السودان ثم إلى سويسرا فوجد نفسه في وسط متعدد من مسيحيين ومسلمين وعرب وسويسريين ولعل ذلك ما دفعه في عمر مبكر إلى الانخراط في العمل السياسي مبكرا ضمن الشبيبة الطلابية الكاثوليكية ففصل مبكرا من الدراسة ورفضت المصالح السويسرية منحه الجنسية السويسرية فقرر أن يكون من حاملي «اللاهوية»مثل الفلسطينيين الذين وجدهم أقرب إليه لأنهم بلا «وطن».
سنة 1975 سافر «ألان بيطار» إلى بيروت ليكون ضمن الجبهة الديمقراطية وهناك اكتشف جذوره العربية من جديد وتعمق في فهم العالم العربي ليعود سنة 1979 إلى جينيف ويفتح محلا لبيع الصناعات التقليدية الفلسطينية والصحف بعد أن فشل في الاندماج في الصحافة التي درسها لأنه لا يحمل جنسية سويسرية.
المكتبة
بسرعة تطورت المكتبة العربية في جينيف وتحولت إلى معلم ثقافي ونقطة لقاء بين الثقافات وقد كان للشيخ بوزوز أول إمام لمسجد جينيف دور كبير إذ أدمجه ضمن شبكة توزيع الكتب العربية كما استفادت المكتبة من افتتاح المعهد السويسري للقانون المقارن والقسم العربي لإذاعة سويسرا الدولية وتعززت المكتبة برواق للفن التشكيلي وتحولت إلى فضاء ثقافي متكامل يستقبل الشعراء والمفكرين العرب ويحتضن اللقاءات الفكرية والأدبية والمعارض الفنية.
وكانت المكتبة العربية وراء أول معرض يقام في أوروبا لنجا المهداوي كما كانت وراء إصدار الطبعة العربية من جريدة «لوموند ديبلوماتيك»مع رياض بن فضل من تونس ونظمت المكتبة أيضا حفلات موسيقية للشيخ إمام رحمه الله ولمارسيل خليفة كما استقبلت أبرز الكتاب العرب مثل أدونيس وبهاء طاهر وعبداللطيف اللعبي ومحمود درويش وأمين معلوف وغيرهم.
الجسر
هذه المكتبة تمثل جسرا بين الثقافتين العربية والأوروبية ففيها توجد مئات الكتب وإسطوانات الموسيقى من كل البلاد العربية وكانت إلى وقت قريب توزع حتى الصحف التونسية وأصبحت مقصدا للمثقفين الأوروبيين المهتمين بالشرق لما توفره من مراجع عن العالم العربي والإسلامي من أحدث المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية.
هذه المكتبة تمثل مشروعا ثقافيا عربيا كان يفترض أن يحظى بدعم مؤسسات ثقافية عربية من الخليج خاصة تغدق الأموال بلا حساب فاستمرار مكتبة عربية في أوروبا لأكثر من ثلاثين عاما ليس مسألة هينة فهذا المشروع يتجاوز ألان بيطار ليكون مشروعا عربيا يدافع عن الثقافة العربية التي تبحث بعض الجهات الممولة من الدوائر الصهيونية إلى اختزالها في الإرهاب ولحي فتاوى القتل والتكفير ذلك أن الثقافة العربية أرحب من ذلك بكثير .