تونس الصباح بعد حصوله على جائزة «آلان بوسكي» عن مجمل أعماله سنة2006 وترجمتها إلى عدة لغات منحت أكاديمية "غونكور" بالإجماع جائزتها للشعر لسنة 2009 للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي لما تحلى به شعره من قوة وأصالة وصدق. واللعبي شاعر وروائي ورجل مسرح ومترجم، أسس مجلة «أنفاس» الشعرية باللغة الفرنسية سنة1966 وقد رصدت المخاض الفكري والأدبي الذي كان يعتمل في الساحة الثقافية والفكرية بالمغرب آنذاك. وله مجموعة من الدواوين الشعرية باللغة الفرنسية عابقة بمشاعر الإنسانية محورها الدفاع عن العدالة والحرية ولا سيما منها «تريبيلاسيون دان ريفور أتيتري» و«مون شار دوبل» و«أوفر بوييتيك 1» و«أكري لافي». وإلى جانب حسه الشعري المرهف ، وطول نفسه الأدبي، وحرصه على نشر آرائه السياسية ، وتضمينها جرأة ومتانة نقدية عاليتين ، يعرف عبد اللطيف اللعبي بإحساسه الدائم بأنه معني بالشأن العام وبما يجد في الحقل الثقافي المغربي والمغاربي والعربي والإنساني. لذا فاقت بياناته وتعاليقه تحركات ومبادرات اتحاد الكتاب في بلاده. آراؤه السياسية هذه أدخلته لسنوات طويلة إلى السجن ولكنه أستطاع الثبات على رأيه بخصوص عديد القضايا المحلية المغربية والدولية. تمكين المرأة كان اللعبي ومازال مناصرا عنيدا للنزعة النسوية المغربية وقد أعلن وبصراحة تامة مساندته غير المشروطة للمرأة ولقضيتها العادلة للحصول على المساواة مع الرجل إذ يقول: «سأرحل واحمل معي حلم المساواة. سأتصور نسلاً جديدًا من النساء يتحدثن ويعملن ويتخلصن من غمامة الجنس والعقيدة. أتصور أخوات لي أحرارًا أكتشف بمعيتهن معنى غير مسبوق للأخوة» ويعود قرب اللعبي من قضية المرأة واعتبارها من الثوابت في فكره لسببين هامين هما: أولاً اعترافه بالجميل لأمهات المعتقلين معه وزوجاتهم وبناتهم وأخواتهم إذ كن ينقلن إلى الخارج أسوار السجن صدى عذاب كاد أن يطول لسنوات عديدة في صمت لولا شجاعتهن. وثانيًا اقتناعه بأن المرأة ركن من أركان الديمقراطية في المغرب وطرف فاعل في معركتها. قلق... وهاجس الحريات ولئن اعتبر اللعبي محاربًا قديمًا في بعض الأوساط، فإنه مازال إلى اليوم وهو من مواليد سنة 1942 قادرًا على تجديد أسلحة نضاله وتحديثها وأهمها القصيدة، حيث كان مناضلاً «ماركسيًا لينينيًا»، قضى 8 سنوات (1972-1980) في سجن «تازمامرت» الشهير، وهو من المعتقلات السياسية التي كان الخروج منها مستحيلا في عهد الملك الحسن الثاني. ثم غيّر الكثير من قناعاته وأولوياته مبقيا على إيمانه بان القصيدة لا تغنيه عن العلم وعلى ان سحر اللغة لا يذهله عن روح الإنسان إذ يقول لدي تحفظ بخصوص تفجير اللغة وأفضل توسيع مجال التعبير، وأبذل جهدا لأقترب أكثر من الأحاسيس الدقيقة للإنسان. فالمبدع هو الذي يخلق الحياة في اللغة. أما المعاجم والقواميس فليست في النهاية أكثر من مقابر. والشاعر هو من يزرع الحياة في هذه المقابر، هذه بالضبط وظيفته. الهامش الخصب أما بقية القضايا التي مازال يناضل من أجلها هذا الشاعر المغربي الأصل الفرنسي اللسان، فتتجدد باستمرار دون ان ينقص صدقه ولا نبله الانساني إذ انه مازال يطرح قناعاته في القضايا السياسية والثقافية من داخل الهامش الذي يعيش فيه دون أن ينخرط لا في هياكل الدولة ولا في الأحزاب بل بقي في الهامش الخصب لأنه مجال الحرية والحرية هي مركز القيم. على أن المعركة الأهم التي يخوضها حاليا في المغرب وبعد سنوات عديدة في المنفى هي معركة ضد النسيان اذ يستميت من أجل بعث معهد للذاكرة المعاصرة في المغرب لأن رواد الأدب والفكر والفن، بدأوا يرحلون عن هذه الدنيا تباعًا تاركين مخطوطاتهم وأرشيفهم الشخصي عرضة للإهمال والتبديد، مما يحتم بعث معهد للذاكرة والإسراع بإدراج الأدب المغربي بلغتيه العربية والفرنسية في المناهج الدراسية. وللعلم فقد نشر اللعبي بالفرنسية 30 كتابًا بين شعر ورواية ومسرحية ودراسات نقدية ومجموعة من الترجمات إلى اللغة الفرنسية مثل «أنطولوجية شعر المقاومة الفلسطينية» و«أنطولوجية الشعر المغربي الحديث». ويعتبر حصول الشاعر عبد اللطيف اللعبي على هذا التكريم العالمي مستحقا ومنصفا فاللعبي صاحب النثر الشعري نقطة التقاء بين عالمين وثقافتين ولغتين وهو ما تأكد بحصوله على جائزة «الغونكور»، التي كان من بين أعضاء لجنة تحكيمها هذه المرة «فرنسواز شاردينر ناغور» و«باتريك رامبو» و«ميشال تورنيي» و«ادموند شارل» و«روبار ساباتيي» و«خورخي سامبران» و«فرنسواز مالي جوريس» و«برنار بيفو» و«ديديي دوكوان»، إضافة إلى الأديب المغربي الكبير الطاهر بن جلّون الذي سبق أن حصل على نفس هذه الجائزة سنة 1987.