صلى أول أمس الجمعة حسين العبيدي بالناس من على منبر جامع الزيتونة، مواصلا بذلك إمامة الجامع العريق والذي يحظى بمكانة خاصة لدى التونسيين. وفي مواصلة العبيدي إمامة جامع الزيتونة، فقد ناقض ما كانت أكدته وزارة الشؤون الدينية في تصريحات رسمية بأنه سيتم منع هذا الإمام من الصلاة بالناس في الزيتونة على خلفية ما أتاه من قول «يكفر» فنانين اشتبه باساءتهم ل«الذات الالهية».
ورفضت وزارة الشؤون الدينية ما اعتبرته دعوة «مرفوضة» و«غير مسؤولة» للعبيدي من على منبر جامع الزيتونة للقصاص من الفنانين الذين وجهت لهم أصابع الاتهام بالاساءة للاسلام بعد أن قال «من فعل هذا كافر ويهدر دمه ويقتل بصريح النص» وذلك على خلفية أحداث معرض العبدلية.
التعيين قريب
وعلمت «الشروق» من مصادر مطلعة، أن قرار تعيين أيمة جامع الزيتونة يطبخ داخل وزارة الشؤون الدينية، وأن اتفاقا حصل بين الوزارة وحسين العبيدي يقضي بأن الإمام لن يصلي برواد جامع الزيتونة في المستقبل.
ويبدو أن الوزارة لم تقل العبيدي، وذلك لأنه لم يعين من قبلها لامامة جامع الزيتونة، فقد تقمص هذا الدور على خلفية عودة التعليم الزيتوني في هذا الجامع العريق. وهو أمر لا يشمل مهام وزارة الشؤون الدينية التي تقتصر صلاحياتها في تعيين الأيمة وعزلهم.
خطة وظيفية
وكانت وزارة الشؤون الدينية أكدت في بلاغ صادر عنها مؤخرا، بأن الاشراف على المساجد والجوامع من تعيين لاطاراتها والتصرف في بناءاتها وتجهيزاتها ومكوّناتها وأثاثها هو من صلاحيات الوزارة وحدها.
وذكرت الوزارة أنه بإمكان الراغبين في مباشرة أية خطة من الخطط المسجدية تقديم ملفات ترشحهم وفقا للاجراءات القانونية الجاري بها العمل وحسب الشروط المطلوبة لذلك.
وتنبه الوزارة الى أنه سيتم التصدي وبالتعاون مع وزارة الداخلية لأية مخالفة للقوانين والتراتيب التنظيمية المتعلقة بالمساجد وبالاطارات المعينين للعمل بها.
«مشكوك فيها»
وللتذكير، فإن «واقعة» معرض العبدلية للفن التشكيلي والتي انجرت عنها أحداث فوضى واحتجاجات عارمة خلفت ضحايا وزعزعة للأمن العام والسلم الاجتماعي على خلفية ترويج أخبار زعمت «تعمد فنانين الاساءة للذات الالهية والدين الاسلامي». كانت بسبب ترويج العدل المنفذ المكلف بمعاينة المعرض صورا للوحات تشكيلية من المعرض على موقع التواصل الاجتماعي «الفايس بوك» وتقديمه استنتاجات تصور هذه اللوحات.
أعمال مسيئة للمقدّسات
وقد تمّ ترويج لوحات أخرى لم تكن بالمعرض أصلا على نفس الموقع مما تسبب في موجة احتقان شديدة أدت الى نشوب أحداث عنف وتخريب استهدفت عددا من جهات البلاد.
ورغم تواصل الجدل بخصوص مضامين هذه اللوحات، فإن معطيات كثيرة أكدت أنها اشكال مفتعل وأن ردات الفعل القوية والعنيفة جاءت دون أدنى تثبت وبيانات ملموسة تؤكد «تعمد الاساءة للمقدسات التي أكدت مختلف مكونات المجتمع التونسي رفضها لذلك من حيث المبدإ.
«رضي اللّه عنه»
ويذكر أن تصريحات ومواقف الشيخ حسين العبيدي أثارت الرأي العام في مناسبات سابقة أيضا خلافا ل«تكفيره» للفنانين، فقد سبق أن وصف العبيدي الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ب«رضي اللّه تعالى عنه»، وذلك خلال حضور الرجلين لقاء انتظم بمناسبة اعادة التدريس بجامع الزيتونة. وقال العبيدي محيلا الكلمة للغنوشي في ذلك اللقاء «أحيل الكلمة الى ابن تونس البار الذي كافح وعانى السجون والذي شرفنا بحضوره، الشيخ راشد الغنوشي رضي اللّه تعالى عنه».
وأثار هذا التوصيف جدلا حادا في الأوساط الدينية في تونس، ودافع الشيخ الغنوشي عن الامام العبيدي مؤكدا أن من يرفض طريقة تقديمه «لا يفقه اللغة العربية» وأن «رضي اللّه عنه» جملة انشائية يمكن استعمالها في سياقات كثيرة.
السيطرة
وتفيد آخر المعطيات المتوفرة، أن وزارة الشؤون الدينية تتقدم في السيطرة على الجوامع والمساجد التي شهدت انفلاتا وعزلا وتنصيبا للأيمة دون موجب قانوني، وقد أكد علي اللافي المستشار السياسي والاعلامي لوزير الشؤون الدينية أن المساجد التي تشهد انفلاتا انخفض عددها الى 120 تقريبا بعد أن بلغ 400. وتتعرض الوزارة الى ضغط شديد من قبل جزء من الرأي العام حتى تسيطر على دور العبادة وتحد من موجة الانفلات التي شهدتها.
وقد تعرض نورالدين الخادمي وزير الشؤون الدينية الى حادثة سرقة حذائه أثناء زيارته لجامع الغزالة بضواحي العاصمة خلال بداية شهر جوان الحالي. كما تعرض للاهانة والتشويش من قبل مجموعة تفيد المعطيات المتوفرة انتماءها للتيار السلفي.