شهدت البلاد منذ بداية الأسبوع الجاري معركة شرسة بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة على خلفية قيام الثانية بتسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي الأسبق الى سلطات بلاده. وقد اتجهت رئاسة الجمهورية الى التصعيد يوم أمس الأول بإعلان اقالة محافظ البنك المركزي ورفض التوقيع على مشروعي قوانين تتعلق بتعديل اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي والترخيص في الزيادة في حصة تونس لدى الصندوق من حقوق السحب.
وطرحت هذه التطورات عديد الأسئلة في الساحة السياسية وحتى في الأوساط الاجتماعية ولعل أبرزها سؤال من فاز في معركة التسليم؟ وهل ستتواصل المعركة أم لا؟ وهل ان للحكومة أو لرئاسة الجمهورية الحق في الانفراد باتخاذ قرارات مثل طرد السفير السوري وفتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام العمالة المغاربية وتسليم المحمودي خاصة والبلاد تمر بمرحلة يصفها الجميع بالحرجة، هي أسئلة أجابنا عنها عدد من المختصين.
وفي هذا الاطار قال الدكتور الصادق بلعيد المختص في القانون الدستوري «ليس هناك أي فائز في هذه المعركة بل ليس هناك الا الخاسرون وهم الشعب التونسي في شرفه والدولة في هيبتها والمجلس التأسيسي في مكانته هي أمور مخجلة الى أبعد الحدود».
وحول مدى صحة الانفراد باتخاذ كل تلك القرارات قال الدكتور بلعيد «نحن دخلنا في مرحلة يمكن ان نقول عنها انها نوع من الجنون فلم تعد هناك مراجع ولا حدود ولا مؤسسات ولا فكر وكل يعمل وفق ما يمليه عليه فكره وينسبه الى مصلحة البلاد أو الى سلطتها السياسية». وتابع «من حادثة طرد سفير سوريا الى فضيحة جولة المرزوقي في المغرب الى تصريحات الجبالي حول التونسيين الموقوفين في سوريا الى موقفه المنهزم أمام السعودية في مسألة تسلم المخلوع ثم مسألة اقالة النابلي ثم وضع تونس بين أيدي المغاربة دون الرجوع الى المجلس التأسيسي أو القانون ماذا تريدني ان أقول؟».
ومن جهته اعتبر الأستاذ قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي ان عملية القياس بالربح والخسارة «في اعتقادي من الناحية السياسية غير سليمة لأن الأمر يتعلق بالمبدإ وبالأثار التي تترتب عن الاجراءات التي تم اتخاذها أما من الناحية القانونية فكانت هناك معركة تتعلق بقراءة الفصل 324 من مجلة الاجراءات الجزائية وبالفصل المتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية في القانون التأسيسي».
وأضاف «التأويل الذي تم اعتماده فيه ترجيح للقراءة التي تعتمد تغيير كل الوضع الدستوري ونقل الاختصاصات التي كانت مخولة لرئيس الجمهورية لفائدة رئيس الحكومة وهو الامر الأقرب الى الصواب من جهة ومن جهة أخرى فان رئيس الجمهورية لم يعد بإمكانه اتخاذ أوامر بناء على القانون التأسيسي المؤرخ في ديسمبر 2011 فقراراته تتخذ شكل قرارات جمهورية... ثم ان اختصاصات رئيس الجمهورية محددة على وجه الحصر في القانون التأسيسي ثم من القواعد الأساسية في تأويل النصوص القانونية انه اذا وجد تعارض بين نص أعلى ونص دونه يتم تغليب النص الاعلى والقانون التأسيسي هو بمثابة دستور مؤقت فاذا تعارضت معه نصوص أقل مرتبة منه يغلب النص الاعلى وهو القانون التأسيسي».
وعلى المستوى السياسي اعتبر الأستاذ قيس سعيد انه كان يفترض ان يدار هذا الملف المتعلق بتسليم المحمودي بشكل آخر وانه كان من الممكن ان تعرض المسألة على المجلس التأسيسي ذاته بناء على الفصل 20 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية «لا للنظر فقط في هذا النزاع المتعلق بالاختصاص ولكن للنظر في كل الجوانب السياسية التي يمكن ان تترتب عن اتخاذ مثل هذا القرار ولكانت الحكومة في وضع مريح أكثر من الوضع الذي هي عليه الآن».
المعركة متواصلة
وتابع الأستاذ سعيّد «المعركة كانت قانونية والآثار لا يمكن قراءتها بحساب الربح والخسارة نعم ربما من شدد على الجانب القانوني يمكن ان يكون قد ربح المعركة ومن شدد على الحقوق قد يكون سجل بعض النقاط لكن الربح والخسارة ليست في هذا المجال ثم انه لا يحسب خلال جزء واحد من معركة بدأت منذ مدة ومرشحة لأن تتواصل، ان تحرك الرئيس بإقالة محافظ البنك المركزي كأنه له صلاحيات يجب ان يمارسها وما أراد أن يوجهه بذلك هو ان يقول انه جزء من الأغلبية وأنه جزء فاعل».
وأشار الى انه يفترض ان يطبق النص القانوني في هذه الحالة وان تعود الاتفاقيات الى المجلس التأسيسي ويمكنه ان يصادق عليها وفق الصياغة الأولى ثم يقوم بعملية الختم رئيس المجلس «واذا أصرت الحكومة على النص الاول سوف تقوم بذلك».
وفي الاتجاه ذاته اعتبر الأستاذ سالم الأبيض ان الكسب السياسي يعود الى المرزوقي أكثر من حركة النهضة مرجعا ذلك الى انه تم التدخل في صلاحياته، مشيرا الى ان الحكومة كان يمكن ان تتعظ من قرار طرد السفير السوري «هذا قلل من مصداقية الحكومة وصعد مصداقية رئيس الدولة لأن التعدي على صلاحياته أدى الى بقائه على الوفاء الى مبادئه الحقوقية والواقع ان قرار التسليم قرار ثقيل وأحدث تداعيات شعبية كبيرة رافضة له وقد تجمعت حول عملية الرفض حساسيات سياسية قد لا تجتمع حول قضايا أخرى».
واعتبر الأستاذ الأبيض ان قرار اقالة محافظ البنك المركزي ربما يأتي في اطار ارجاع بعض صلاحيات الرئيس محذرا من امكانية تصويت حركة النهضة ضد قرار الرئيس في المجلس التأسيسي «حينها قد توجد بداية فك الارتباط بين عناصر الترويكا وهو ما يجعلها أمام مسؤولية كبرى وهم في مواجهة المتربصين بهم الذين لهم خبرة سياسية قديمة ويد اعلامية طولى وهذه المرحلة لا تحتمل أخطاء من نوع الخطإ الذي ارتكبته الحكومة بتسليم المحمودي».
ومن جهته اعتبر أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي انه في هذه المعركة ليس هناك رابح وان تونس هي الخاسرة «هناك قلة اكتراث بالمؤسسات وأمور مخجلة تمس بكنه التعامل السياسي الأساسي بين مكونات أي ائتلاف سياسي في بلد يمر بمرحلة حرجة مثل تونس الخاسر هو تونس التي يتم تهميشها». وأضاف «الدولة خاسرة لأنها تضعف أكثر فأكثر وهيبتها تنهار بين طرفين رابحين لأنهما لا يكترثان بذلك».