قال أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري إن لجوء رئاسة الجمهورية إلى المجلس الوطني التأسيسي لحسم النزاع بشأن مسألة تسليم البغدادي المحمودي جاء متأخر جدا. و أكّد أنّ مصالح رئاسة الجمهوريّة كان يمكن لها أن توقف تسليم الرئيس اللّيبي السّابق البغدادي المحمودي لو استغلت المجلس التأسيسي منذ أن طرحت مسألة من يمسك بالقرار النّهائي للتّسليم، لكنّها لم تفعل ذلك و تركت بذلك المجال للحكومة للتّصرّف على النّحو الذي تريده. و أبرز محفوظ وهو الذي انفرد قبل اسابيع وفي تصريح حصري لالصباح بشرح قانونية اتخاذ رئيس الحكومة لقرار التسليم دون انتظار موقف رئيس الجمهورية- أن من الناحية السياسية والأخلاقية فإن التحالف الحكومي الثلاثي مجبول على التوافق حول المسائل الحكومية وخاصة منها التي تثير خلافات بينها وهو ما لم يتم في هذه الحالة إذ أن النهضة كانت لها كلمة الحسم. وأشار محفوظ إلى أن المجلس التأسيسي يمكنه إذا ما عرضت عليه مناقشة المسألة إصدار لائحة لوم ضد الحكومة بالأغلبية المطلقة لأعضائه بعد تقديم طلب من ثلث أعضائه. ومن الممكن ان تكون لائحة اللوم مدخلا قد يتحقق معه مطلب حكومة وحدة وطنية جديدة تتولى إدارة البلاد. يذكر أن محفوظ كان قد أشار في آخر تصريح له لالصباح (نشر يوم 10 جوان الجاري) أن رئيس الجمهورية المؤقت لم يخسر بعد معركته القانونية في ما يتعلق بتسليم المحمودي، إذ يمكن للمجلس التأسيسي وبناء على أغلبية أعضائه أن يقرر أن رئيس الجمهورية هو الذي يوقع قرار التسليم.. كان ذلك ممكنا طبعا قبل أن تتخذ الحكومة قرارا بتسليم البغدادي نهائيا وان تسلّمه فعلا. في ما يلي نص الحوار: ما رأيكم في عملية تسليم الحكومة للبغدادي المحمودي؟ - إن عملية تسليم البغدادي المحمودي يمكن أن تطرح من زوايا متعددة: سياسية، أخلاقية، وقانونية... على المستوى القانوني استعملت الحكومة الوسائل التي رأتها مناسبة للقيام بعملية التسليم من خلال اعتبارها أن هذه الصلاحية تعود لها دون سواها وهي بذلك لم تقم إلا بممارسة صلاحياتها الدستورية. غير أنه وبغض النظر عن الجانب القانوني فإنه لا يجب أن ننسى أن الحكومة متكونة من ائتلاف ثلاثة أحزاب: النهضة والمؤتمر والتكتل. ويقتضي هذا التحالف أخلاقيا التوافق حول المسائل الحكومية وخاصة منها التي تثير خلافات بينها وهو ما لم يتم في هذه الحالة إذ أن النهضة كانت لها كلمة الحسم. ولهذا السّبب تحدث الناطق الرسمي للرئاسة عن أزمة حقيقية بين الرئاسة والحكومة. لكن ذكرت لنا في تصريح سابق أن الرئيس يمتلك سلاحا قانونيا ضد التسليم؟ - بالفعل بينت أنه بإمكان رئيس الجمهورية إيقاف عملية التسليم من خلال رفع نزاعه مع الحكومة إلى المجلس التأسيسي غير أن مصالح رئاسة الجمهورية لم تستغل هذه الآلية القانونية وتركت بذلك المجال للحكومة للتّصرف على النحو الذي تريده. ولا ندري الأسباب الحقيقية لتصرف الرئاسة على النحو المذكور. لكن يبدو أنها سوف تفعل ذلك؟ - متأخر جدّا. النّزاع أصبح غير ذي موضوع مع القيام بعملية التسليم. ولكن ألا ترى بأن التسليم كان متعارضا مع موقف منظمات حقوق الإنسان؟ - بالفعل نحن نصبو إلى أن نكون دولة ديمقراطية ونتصرف بحسّ ديمقراطي وخاصة إنساني. أغلب التقارير الصّادرة عن هذه المنظمات دعت الحكومة التونسية إلى عدم تسليم البغدادي المحمودي لا لأنه بريء وإنّما لعدم توفر شروط المحاكمة العادلة في بلد لا تحكمه حكومة منتخبة، تلقى صعوبات في فرض الأمن وخاصة مع وجود مجموعات مسلّحة. فالحكومة الليبية في حاجة إلى أن تؤمن نفسها قبل كل شيء. ما هي تصوراتكم لإدارة هذه الأزمة؟ - الأزمات لصيقة بسير كل الأنظمة السياسية ولا يكمن الإشكال في ظهورها ولكن يقاس مدى نجاح النظام السياسي من خلال البحث في مدى توفر الغطاء القانوني لإدارتها. فإذا ما انعكست هذه الأزمة على التحالف فإنه يمكن لأعضاء الحكومة التابعين لحزب الرئيس الإستقالة من الحكومة وإذا ما تحالف معهم الوزراء التابعون لحزب التكتل فإن الوزراء التابعين لحركة النهضة يصبحون في وضعية لا تسمح لهم بمواصلة نشاطهم. وعلى الحكومة أن تقدم استقالتها للرئيس. كما يمكن، في صورة توسيع المشاورات مع أطراف سياسية أخرى ترى نفسها تلتقي في هذه المسألة الحقوقية، عرض الموضوع على المجلس التأسيسي والذي بإمكانه في هذه الحالة إصدار لائحة لوم ضد الحكومة بالإغلبية المطلقة لأعضائه بعد تقديم طلب من ثلث أعضائه. يمكن إذن أن يطرح هذا التصرّف على الأقل المسؤولية السّياسية للحكومة. علما وأن هذا التصرف قد يكون سياسيا بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس. وقد يتحقق معه مطلب حكومة وحدة وطنية جديدة تتولى إدارة البلاد. لكن هل تعتقد أن ذلك ممكن؟ - إن الإشكال سوف يحسمه موقف كل من حزبي المؤتمر والتكتل من هذا الموضوع. سوف نتبين خلال الأيام القادمة مدى وجود تضامن بين أعضاء حزب المؤتمر و رئيسهم التاريخي. وإذا ما تبيّن للرئيس أن الحزب يقف وراءه فهو سوف يكون في موقف يسمح له بأن يذهب بعيدا في مواجهته مع رئيس الحكومة أما إذا وجد موقفه معزولا فإن ذلك سوف يضعف من قدرات المواجهة. كما يرتبط ذلك بموقف حزب التكتل من عملية التسليم ولا ندري ماهية موقف رئيسه الذي لا يمكن أن ننسى ماضيه الحقوقي. على كل لا نتسرع لأن الحسابات السياسية هي التي ستكون الفيصل. طرح مسؤولية الحكومة أو زوبعة في فنجان سوف يكونان العنوانين الممكنين لهذه الازمة.