لن نختلف – أو هكذا يتصور صاحب هذه الأسطر – إن قلنا إن الأنظمة السياسية ذات العلاقة بالملف السوري تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم مؤمن بالمقاومة فكرا وممارسة ولم يؤمن بعد حقيقة بالديمقراطية فكرا وممارسة، قسم مناقض ومخالف ومعاد للمقاومة ولكنه ديمقراطي في الملفات الداخلية على الأقل، وثالث غير مؤمن لا بالمقاومة ولا بالديمقراطية وتعوزه مشاريع البناء الوطني ولم يستطع بعد بلورة مشروع فكري وسياسي وثقافي خاص به. هذا القسم الثالث العاجز عن ترويج ونشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية ومبدأ التداول السلمي على السلطة وغير القادر وغير الراغب أيضا في دعم المقاومة نهجا وفكرا وممارسة وسياسة واستراتيجيا، لا يألو جهدا أبدا في تنفيذ سياسات – إن صح التعبير – نابعة من كينونة جوهره السياسي و»الثقافي» في سوريا..
وباعتبار أن «الطائفية» و«التطرف» و«التعصب».. هي اسلحة من تعوزه التجربة السياسية ومن تنقصه الثقافة الوطنية المقاومة، فتجد هذا القسم من الدول لا يتحرج أبدا في استعمال خطابات طائفية وفي الترويج – عبر السلاح والمال والإعلام – لواقع افتراضي يريدون بكل الوسائل تنزيله وتكريسه على أرض الواقع في سوريا.
في هذا المفصل بالذات يدرج استعمال مصطلحات مثل مصطلح «الحرب الأهلية» في سوريا والذي راج في وسائل إعلام الدولار والبترودولار منذ ما يزيد على عام، وفي ذات السياق ايضا وقع التركيز على عبارة «حرب العلويين على السنة» و»واجب الدفاع عن الإخوة السنة المضطهدين» في سوريا.. وللأسف وجدت هذه العبارات السمجة لدى الرأي العام من يزكيها ومن يؤمن بها والطامة الكبرى أنها لقيت من يفدي نفسه في سبيلها..
الإشكال الكبير أن معضلة «الطائفية» المقيتة باتت – وفق التسريبات السياسية والديبلوماسية – منهجا لإسقاط أنظمة سياسية وطنية بإمكانها الانتقال نحو الديمقراطية وذلك عبر إغراقها في المحاصصة الطائفية المقيتة.
فهي – أي المحاصصة – التي افقدت لبنان حقيقة الحرية والتعددية والديمقراطية التي ينعم بها عبر جعل المواطن اللبناني لصيقا بطائفيته وبزعيمه الديني إلى درجة تحولت بمقتضاها الطائفة إلى الفضاء الذي يشعر به وفيه ومن خلاله اللبناني بالوجود الفعلي، في مقابل تغييب مبادئ المواطنة.
وهي – أي المحاصصة الطائفية – أيضا التي جعلت النظام السياسي في العراق فضاء للتوافق الإثني والعرقي ومجالا للمقايضات الطائفية الأمر الذي راكم المشاكل السياسية في أرض الرشيد وأفقد الحياة السياسية ككل عبقها وزخمها.
الإشكال اليوم أن ذات التهديد – الثقافي والسياسي – يتحرش بسوريا حيث لا فقط يصوّر المشهد السوري المتأزم على أنه حرب أهلية بين طوائف ولكن وهذا هو الأدهى يقع التشديد على أن الحل في البلاد لن يكون إلا عبر البوابة الطائفية... وهو امر خطير للغاية لأنه يضع كافة الأطراف في دوامة مقيتة فعلى المعارضة السورية – وحتى العلمانية منها – أن تسلم بأن الحراك الشعبي هو حراك طائفي وان القمع كان على أساس طائفي وعلى النظام أن يقبل ب«مزاعم» أنه طائفي وأنه لا حل لطائفيته العلوية – المفترضة – إلا بطائفية ثانية متعددة الهويات.
والخطير هنا أن تقسيم النظام السياسي على أساس الهويات – الحديث لا يدور بالتأكيد على التمثيل وإنما على المحاصصة – يجعل كل نظام يريد الخروج من الديكتاتورية والولوج إلى الديمقراطية مطالبا بشيأين اثنين، الأول إسقاط النظام الطائفي – وهو ما عجز عنه اللبنانيون منذ 1989 وحتى الآن -، والثاني إعادة بناء المؤسسات على أساس المواطنة وهو أمر شبه مستحيل في حال ترسبت الطائفية في مؤسسات الدولة. خطر هذه الدول أنها «تداوي» الدول نصف المتعافية بأمراضها القاتلة فتصاب الدول الأولى بأمراض عضال لا تمتلك الشعوب ترياقها أودواءها.. فلئن تمكن الشعب السوري من تحدي الطائفية والحرب الأهلية الشاملة وهو يملك حصانة ضدها فمن يضمن أنه في حال أصيب بإحداها أن يتعافى ويعود مثل الأول. الحل في سوريا.. لا بد أن يبنى على 3 أسس كبرى، الأول عدم إلغاء الآخر مهما كانت هويته، الثاني الفصل الكامل والمطلق بين الهوية الطائفية والمؤسسات، والثالث المصالحة والمصارحة والمحاسبة... والله أعلم..